هند ومنة وشكران ويارا: ممثّلات حطّمن القوالب

نهاية الشهر، أدسُّ يدي في محفظتي. ما فيها لا يكفي لأجرة التاكسي. أُهيِّء نفسي لرحلة برزخية مفاجئة. أُشمِّر عن ساعدي لخوض الحرب، وركوب الميكروباص. أنحشر في المنتصف بين الركاب، أنظر خلسة إلى الفتى الوسيم الجالس بجواري. يمرّ ببالي أن هذا ما تعنيه مقولة "المِنَح خلال المِحَن". فالنصيب قد يأتينا في أحلك الظروف. إلا أنني أراقبه متأهّبة؛ فمن يدري ما يضمره هذا الوجه الملائكي؟ في إحدى حلقات مسلسل "عايزة أتجوّز"، تعرضت علا عبد الصبور للسرقة في الميكروباص من جارها الوسيم. وأنا، أتعلم من دروس الآخرين.

أعتقد أنّها كانت المرة الأولى التي أرى فيها على الشاشة امرأة تتعرّض للسرقة لأنها سُحرت بوسامة أحدهم. عادةً، يكون الرجال هم الذين يغويهم سحر النساء. تلك المعادلة تسير في اتجاه واحد دون وجود عناصر من الطرفين. كسرت هند صبري بدور علا عبد الصبور تلك التوقعات المجتمعية عن النساء مرات عديدة في المسلسل الشهير، وهو ما فعلته ممثلات أخريات في أدوار وشخصيات ابتعدت عن تصوير النساء بصورة نمطية.

هند صبري

منذ بداية مسيرتها الفنية، تميزت الممثلة التونسية هند صبري باختيار أدوار نسائية مختلفة عن السائد. ويُعدّ دورها في مسلسل "عايزة أتجوز" (2010)، من وجهة نظري، أبرز مثال على ذلك، حيث تجسد شخصية الصيدلانية علا التي تتحدّث إلى الكاميرا عن بحثها عن عريس، منتقدة منظومة الزواج في المجتمع، وكاشفة بشكل ساخر عن تناقضات الطبقة المتوسطة بأسلوب كوميدي ينسف بخفة البعد الرابع، ويذكرنا بمسلسل "فليباغ"(2016) . ولكن علا كانت سبّاقة في ذلك! صحيح أنّ المسلسل لم يتناول بشكل صريح مواضيع الجنس والرغبة والحميمية، إلا أنه تضمّن بوحًا خفيًا عن تلك الأمور "الكارثية" التي تخشى النساء العازبات التحدث عنها علانية، والتي يمكن اختصارها في عنوان المسلسل نفسه "عايزة أتجوز".

استطاعت الكوميديا التي اتخذت أحيانًا طابعًا ساخرًا وأسود أن توصل المسلسل إلى شريحة واسعة من الجمهور، خاصةً أفراد الطبقة المتوسطة التي تنتمي إليها علا في المسلسل. أتذكر ليلة رمضانية، وإعلان المسلسل يعرض في الخلفية، حين قالت خالتي: "في واحدة تقول عايزة أتجوز كده من غير كسوف؟" نعم، بفضل المسلسل، أصبحت نساء كثيرات يجاهرن بذلك، بضحكة، مثل علا، بلا خجل أو وجل من الاعتراف، فيضحك الجميع من حولهن.

كشفت القهقهات العالية هوس العائلات والمجتمع بزواج الشابات، واستعدادهم لتجاهل عيوب الرجال في سبيل ذلك. يمكن لنساء كثيرات أن يرين أنفسهن في شخصية علا، وأن يتعاملن مع واقعهن بنفس الأسلوب الساخر والمرح، أو حتى "اللاذع". وفي النهاية، يمكنها أن تفعل مثلها ما تشاء، سواء كان ذلك رفض الزواج، أو حتى الخطوبة على عجل وحدها مع العريس، بدون سلطة العائلة، التي غالبًا ما يكون دورها في مراسم الخطوبة أكبر من دور العروسين أنفسهما، وكأن دورهما "ثانوي". على أقل تقدير، قدّم المسلسل للفتيات عذرًا لا يمكن دحضه لرفض أي عريس: يكفي أنه يشبه واحدًا من عرسان "عايزة أتجوز".

منة شلبي

يصعب التركيز على دور واحد فقط واجهت من خلاله الممثلة المصرية الأعراف الأبوية، لكنني أحبّ دورها المهم في فيلم "الساحر" (2001).

بعد وفاة والدتها، تعيش نور مراهقتها وحيدةً في بيئة محافظة، مع أب صارم يحاول الحد من خيالها وشخصيتها وتجاربها. يخشى عليها من المجتمع والرجال ومن نفسها، ويقرّر حرمانها من التعليم. لا تستسلم نور لمحاولات السيطرة على عقلها وجسدها، وتحاول العيش والتحايل على الوحدة وملء فراغ الدوام المدرسي بكل الطرق المتاحة، بل تخلق دروبًا جديدة لاكتشاف ذاتها وجسدها، متأملة في أفكارها المتأرجحة بين الطفولة والنضج.

كسر دور منة في شخصية نور الصورة النمطية لتصوير جسد الفتاة المراهقة في السينما، وخلق مساحة مختلفة جمعت بين التعاطف والتمرد والتيه ووهم العذرية المسيطر على عقل الأهل، ما أن تصبح الطفلة في جسد شابة.

تقاوم نور سلطة الأب باللجوء إلى سلطة أمومية مضادة، وتصادق جارتهم الجديدة التي ترى فيها أمًا، وتكاشفها تداعيات المراهقة على علاقتها مع والدها والمجتمع من حولها.

تحاول شخصية نور (منة) في الفيلم الإجابة عن سؤال لطالما أنكره عقل الأهالي: هل أنا أحمي ابنتي حقًا؟ أم أحمي نفسي مما قد يظنه المجتمع عني؟

شكران مرتجى

لم تتردد شكران مرتجى في قبول دور الفتاة القبيحة، فقد أدركت أن المخرج اختارها لأنها لا تندرج ضمن معايير الجمال التقليدية، كما يتضح من دورها بشخصية أمل السكرتيرة في مسلسل "يوميات جميل وهناء" (1997) وذكية زوجة محسن في مسلسل "خان الحرير" (1996). ورغم أن الدور لم يتوافق مع معايير الجمال المتوقعة لنجمات الشاشة، إلا أنه كان محوريًا وحقق نجاحًا كبيرًا.

تختلف شخصية "ذكية" عن الصورة النمطية للفتاة الساذجة عاطفيًا والمغلوبة على أمرها بسبب عدم جمالها وعدم إعجاب الآخرين بها. على العكس، كانت ذكية تدرك ذاتها بوضوح أكثر من أي شخصية أخرى في المسلسل، وتكرر: "أنا كتير حساسة". تكسر ذكية الصورة النمطية التي اعتدنا عليها، حين نوصف بالحساسية فننكر ذلك، وكأن الحساسية عيب أو ضعف يهمّشنا.

يتجلى تعقيد الشخصية من خلال صراعها اليومي كامرأة تفتقر إلى أي امتيازات تتمتع بها النساء اللواتي يطابقن معايير الجمال التي تفرضها المجتمعات الأبوية. ومع ذلك، يحبها الجمهور ومعظم شخصيات المسلسل (باستثناء زوجها في البداية).

تدعم ذكية النساء من حولها رغم علاقتها المتوترة معهن، لأنها تدرك أنهن يحاولن فقط التأقلم مع منظومة مجتمعية تخذلهن كما تخذلها.

يارا صبري

لطالما كانت يارا صبري جريئة في اختياراتها الفنية. يتذكرها معظمنا بدور ناديا في مسلسل "الفصول الأربعة" (1999)، حيث تحدت الصورة النمطية لشابة ثلاثينية لم تتزوج بعد. لكن دور هنادي في مسلسل "تخت شرقي" (2010) يتبادر إلى ذهني، وفيه حطمت تابو شخصية المرأة التي تحب شابًا يصغرها سنًا.

في مصر، هناك مقولة شائعة تستخدمها المرأة بسخرية لرفض رجل يصغرها سنًا، بغض النظر عن فارق العمر، تقول له: "ده أنت قد ابني!". لا أحد يعرف أصل هذه المقولة أو سبب شيوعها، ولكنها أصبحت وسيلة ملائمة للرفض والبقاء ضمن الحدود المجتمعية للعلاقات.

في "تخت شرقي"، أحبت هنادي شابًا يصغرها بعشر سنوات. لا أتذكر كيف انتهت علاقتهما، لكن الدور ناقش ديناميكيات العلاقات العاطفية بواقعية، وأضافت تعقيدات الشخصية وتساؤلاتها عمقًا للتفكير في شروط العلاقات وأسباب نجاحها، ودفع المشاهدين للتساؤل: من أين تأتي الراحة في العلاقات؟ هل من تكافؤ الوضع الاجتماعي أو العمر المتقارب؟ أم من التصالح مع الماضي وترميم الذات من بقايا ذكريات العائلة الحزينة وآلام الطفولة؟

تطرح هنادي على نفسها هذه الأسئلة، وتضيف: هل تعتبر حبيبها ابنًا؟ هل تعتقد أنها أكثر حكمة منه وتمتلك نوعًا من الوصاية عليه؟ هل هذا ما يشعر به الرجال مع النساء الأصغر سنًا؟

فتح هذا الدور الباب أمام النساء للتأمل في أسباب الإشباع والسعادة في العلاقات، بعيدًا عن قيود المجتمع وقوالبه النمطية. تتحرر هنادي من معايير المجتمع ولا تسعى لنيل رضاه، تتخذ قراراتها بنفسها وترتبط بمن تريد، وترتب أولوياتها، وتفهم احتياجاتها من دون مساومة.



 

مدونتنا