ما زلت أكتب لصفيّة

مرحباً صفيّة

إنه العام 2022 الساعة الرابعة فجراً هنا. لا أعلم "يا صفيّة" لماذا أعود إليكِ أنت دائماً. هل لأن سؤال غسان لكِ في  روايته "عائد إلى حيفا" شكّل نقطة تحوّل في حياتنا؟ نقطة تحوّل وجودية؟ لا أعلم وقد أكون لا أريد أن أعلم. أنا أحاول أن أبحث عن هذا الوطن يا صفيّة وأحاول أن أضع الأشياء في أُطرِ قد تكون ضيقة نوعاً ما، لكن لا يهم.صفّية... أكتب لك هذه الرسالة لأقول لك أنني قد أكون عرفت ما هو الوطن كإمرأة عربيّة لبنانية ونسويّة وقد أغيّر رأيي بعد قليل فأرجوك لا تحاسبيني فيما بعد.

وصلتُ منذ قليلِ إلى  المبنى الذي أقطن  فيه هذه الفترة ( هي مدينة لطيفة رحبّت بوجودي)، وصلتُ في ساعة متأخرة جدًّا. المفارقة أنني لم أهرع إلى المنزل أسابق دقّات قلبي المتسارعة. لم أنظر حولي في الشارع بخوف من العتمة ومن ظلِّ يلاحقني..شعرت ببعض الغربة، الغربة بسبب الأمان الفائض حيث أعيش. ربّما أسميّه أماناً فائضاً، ولكنه قد يكون يكون وضعاً طبيعياً لم نعتده مؤخرًّا كنساء في لبنان. أذكر جيداً يا صفية عندما سألتني أخت صديقتي منذ حوالي الشهر تقريباً  عن قرارنا نحن النساء بترك أوطاننا، إستفزني  سؤالها. عادةً وتاريخياً الرجل أحقّ بالهجرة لأنه يتوجّب عليه تأسيس عائلة في ظلّ  مجتمعات ذكوريّة تنهشنا. أطرقت قليلاً ثم أجبتها: أتعرفين؟ من الغريب أنني كإمرأة  أشعر أن إحدى أولوياتي كانت  الشعور بالأمان بدءاً من منزلي وداخل بابه الأساسيّ وصولاً إلى الشارع والحيّ ومكان العمل والمطعم. في الحقيقة أنني في وطني لبنان، هذا الوطن الذي نحاول أن نضع له إطاراً  يشبهنا  لم أكن أشعر بالأمان، كل ما أتذكره بعد تفجيرنا في بيروت الشوارع المخيفة خلال الليالي حالكة السواد وأن أضع يدي  في كل ثانية على زر إغلاق الأبواب في سيارتي لأتأكد أنّ غربة الليل المجهول هذه لن تقود السيارة عني. في هذا الوطن، كان قلبي يدقّ آلاف المرات وأنا أركض في شارع الحمراءهرباً من متحرش يلاحقني في ساعة متأخرة معلقاً على ثيابي..أصل أغلق الباب وأجلس على الأرض جنب الباب أستمع إلى خطوات قد تكون عرفت مكاني.

لا أعلم يا صفية كيف أفسّر لأخت صديقتي، تلك، التي ربّما لم تختبر يوماً الشعور بإنعدام مساحة الأمان كيف أفسّر لها أهميّة إحساسنا به. لا أعرف يا صفية ما هو الوطن أبعد من هذه المساحة لا ترابه ولا إستقلاله ولا جباله ولا بحره..ولا حتى "النص ساعة بين البحر والجبل" هي الوطن يا صفية.

من المؤلم أن يصبح الوطن يا صفية لنا نحن النساء مساحة الأمان التي نبحث عنها دوماً لأنها لم تكن متاحة لنا يوماً. مساحة الأمان هذه التي ربطوها منذ أن تفتحت عيوننا على هذه الحياة بالرجل لأنه هو الوحيد الذي سيؤمنها لنا..يؤمّنها لنا من مكان ليقتنص الفرصة ويضيقها علينا من مكان آخر فيضعنا في قفص بحدود واضحة يسميها الحماية والأمان ثم يذهب ليقلص المساحة هذه في الشارع ومكان العمل على غيرنا من النساء، لأن قتل مساحة واحدة لا تكفي.

يا صفية أخبري غسان أن يخبرهم جميعاً أن الوطن هو مساحة الأمان التي سنخلقها نحن بسواعدنا وطموحنا وقدراتنا على كسر كل القوالب والحواجز.

مدونتنا