قوانين العنف الالكتروني في الدول العربية: كيف تكون النساء ضحايا ومُتهمات

عام 1992 استخدمت الكاتبة البريطانية سادي بلانت مصطلح "نسوية الكترونية" Cyberfeminist للمرة الأولى. وقد ربطت بلانت هذا المصطلح بالعمل باتجاه تفكيك أشكال الهيمنة والسيطرة الذكورية على الثقافة التكنولوجية، والتعامل مع الفضاء الالكتروني بصفته فرصة لخلق تشكيلات اجتماعية وإعطاء طابع آخر للنشاط السياسي. 
بعد حوالي العقد من الزمن، بدأ يبرز النقاش حول تحوّل المجال الرقمي إلى منصة لانطلاق موجة نسوية رابعة، وهي موجة رقمية. وترتبط هذه الموجة بالقضايا الجنسانية والعنف الجنسي، خصوصاً التحرش والإغتصاب، إذ تتضامن النساء مع بعضهنّ البعض، من خلال استخدام منصات التواصل الاجتماعي وأدواتها لفضح العنف الذي تتعرّضن له، بهدف الوصول إلى إنهاء جميع أشكاله. ومن أبرز هذه الحملات عالمياً كانت حملة #أنا_أيضاً المتعلقة بالتحرّش الجنسي. 
وبغض النظر عما إذا كانت الحراكات والانتظامات النسوية في المساحات الرقمية تحتمل وصفها بأنها موجة نسوية جديدة، أو إن كان تفكيك بنى السيطرة في المساحة الرقمية يشكّل مدرسة نسوية قائمة بذاتها، يبقى أن الفضاء الرقمي، على أهميته، برز أيضاً كمساحة جديدة للعنف ضد النساء. وفيما يظهر العنف الرقمي كامتداد للعنف في العالم الواقعي، غير أنه أكثر يسراً وسهولة بالنسبة للمعتدي، ويمكن أن يؤدي إلى نتائج أكثر خطورة في العالم الواقعي بالنسبة لضحيته. 
تتناول رويدا كنعان في دراسة لها حول أثر العنف الرقمي على الناشطات السوريات ، هذا النوع من العنف بوصفه عنفاً رمزياً، يعزّز هياكل السلطة القائمة على النوع الاجتماعي، ويكرّس التمييز والقمع ضد النساء. وتميل النساء إلى تحمُّل هذا العنف من خلال تبني سلوكيات دفاعية مثل العودة للمنزل باكراً، أو ممارسة الرقابة الذاتية على وسائل التواصل الاجتماعي. العنف الرقمي  يعزّز الأدوار الجندرية التقليدية، ويُستخدم كاستراتيجية لإسكات الناشطات السياسيات. 
الاتفاقيات الدولية والجرائم الإلكترونية 
عام 2017، أصدرت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد النساء في الأمم المتحدة، التوصية رقم 35 والتي تشمل العنف الجنساني في السياقات الرقمية. 
وعام 2021، نشرت "منظمة الصحة العالمية" أن واحدة من بين كل ثلاثة نساء، تتعرض للعنف البدني و/أو العنف الجنسي من قبل الشريك. إن هذه المستويات المرتفعة من العنف، تُضاعف من المخاوف المتصلة بالعنف ضد النساء في المساحات الرقمية. 
وقد توصّل "المجلس الأوروبي" عام 2024، إلى إصدار توجيهات لمكافحة العنف ضد النساء والعنف الأسري، شاملاً بتوجيهاته العنف السيبراني. 
و"المجلس الأوروبي" هو الجهة التي أقرّت "اتفاقية بودابست لمكافحة الجريمة الالكترونية"، وهي الإطار الدولي الأوسع المتوفر حالياً في هذا المجال، في ظل عدم تمكّن الأمم المتحدة من الوصول لإقرار أي اتفاقية حتى اللحظة، فيما بات عدد الدول المصادقة على اتفاقية بودابست 70 دولة. تتضمن الاتفاقية أحكاماً لمواجهة الجرائم السيبرانية، مثل عرقلة وظيفة نظام الكمبيوتر، إنتاج المواد الإباحية المتعلقة بالأطفال، والوصول غير المصرح به إلى الأنظمة. 
وتعرّف "لجنة اتفاقية الجرائم الإلكترونية في المجلس الأوروبي" العنف الإلكتروني على أنه استخدام أنظمة الحاسوب لإحداث أو تسهيل أو التهديد بالعنف ضد الأفراد، مما يؤدي إلى أضرار جسدية أو نفسية أو اقتصادية. 
من المهم الاشارة إلى أن ليس كل عنف الكتروني هو جريمة إلكترونية. وقد شملت التوجيهات سابقة الذكر التي اعتمدها المجلس الأوروبي مؤخراً سلوكيات مثل مشاركة الصور الحميمة دون موافقة، المطاردة الإلكترونية، التحرش الإلكتروني، والتحريض على الكراهية ضمن مجال العنف الالكتروني. 
على صعيد العالم العربي، اعتمدت "جامعة الدول العربية" عام 2010 "اتفاقية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات"، لكنها لا تتضمن حماية خاصة للنساء والفتيات، بل تتضمن أحكاماً قد تُستخدم لتجريم النساء وفقاً لمفاهيم "الآداب العامة".

العنف الالكتروني و"قيم الأسرة"

لبنان من بين الدول العربية التي لم تنضم إلى "اتفاقية مكافحة جرائم تقنية المعلومات"، بالمقابل فإن قانون تجريم التحرّش قد شمل التحرش الالكتروني بعقوباته. أيضاً أصدر لبنان قانون المعاملات الالكترونية والبيانات الشخصية، إضافة إلى وجود وحدة متخصصة بمكافحة الجرائم الالكترونية وحماية الملكية الفكرية تابعة لقوى الأمن الداخلي.

أما لجهة مصر والعراق المصادقتان على الاتفاقية العربية، تتصاعد موجات العنف الممنهج والرسمي ضد النساء في المجال الرقمي تحت غطاء مبررات تتصل بالآداب العامة، وعدم التسبب بالازعاج للغير. في مصر، يتجاوز العنف الإلكتروني الممارس ضد النساء النشاط السياسي ليشمل ملاحقة أي محتوى يعتبره النظام الأبوي مهددًا لقيم الأسرة. ومن أبرز الأمثلة على هذا العنف المنظم حملة "فتيات التيك توك"، التي بدأت في نيسان/ أبريل 2019، حيث قاد يوتيوبر حملة على تيك توك تحت هاشتاغ #خليها_تنضف. 
استهدفت الحملة الفتيات والنساء بسبب محتواهن على المنصة، وتعرضن لهجمات منظمة، بلغت حد تقديم بلاغات للنيابة العامة، وصدور أحكام بالحبس والغرامات المالية بتهم مثل "التحريض على الفسق والفجور" و"نشر صور وفيديوهات مخلة". تأتي هذه الممارسات ضمن إطار التشريع المصري، تحديداً قانون تنظيم الاتصالات، ثم قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والأخير وسّع نطاق التجريم ليشمل "تعمّد الإزعاج" و"إساءة استخدام أجهزة الاتصالات" و"المحتوى المعلوماتي غير المشروع"، ما أتاح مجالاً لتطبيق نصوص قانونية عقابية متعدّدة بشكل مزدوج.
أما لجهة العراق، تتبع الحكومة نهجًا منظمًا لملاحقة النساء بسبب محتواهن على مواقع التواصل الاجتماعي. في مطلع عام 2023، أطلقت وزارة الداخلية العراقية منصة "بلّغ" للإبلاغ عن المنشورات التي تتضمن "إساءة للذوق العام" أو "تخدش الحياء". 
وأعلن "رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان" في العراق، فاضل الغراوي، أن 50 بالمئة من النساء المُعنفات في العراق يتعرضن للعنف الرقمي، والتنمر الإلكتروني، والابتزاز الإلكتروني، والاتجار بالبشر إلكترونيًاً. وتصاعدت حالات الابتزاز الإلكتروني في العراق لتشمل جرائم واقعية مثل القتل والخطف وتشويه الأجساد. ومن أبرز القضايا التي تكشف مدى تفلت العنف الرقمي من العقاب، قضية مقتل غفران مهدي سوادي في سيارتها أمام منزلها، والتي تلتها تهديدات عبر منصة إكس لـ 14 امرأة مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي بضرورة مغادرة العراق تحت طائلة تعرضهن لنفس المصير. 
بالتالي، يبرز العنف الرقمي المنظم ضد النساء في مصر والعراق كأداة قمعية متعمدة تستخدمها السلطات لقمع حرية التعبير وتكريس النظام الأبوي. في مصر، تتوسع هذه الملاحقات لتشمل أي محتوى يهدّد القيم الأسرية التقليدية، بينما تتبنى الحكومة العراقية نهجاً لملاحقة المحتوى الذي تراه مخالفاً للذوق العام، مما يضاعف معاناة النساء ويزيد من صعوبة التحديات التي يواجهنها في الفضاء الرقمي. 
بين النزاعات والاحتلال
في سوريا التي قتلت فيها ما لا يقل عن 28,926 أنثى منذ آذار/ مارس 2011، وتعرضت 11,541 منهن لحوادث عنف جنسي، تواجه النساء تحديات جسيمة في ممارسة حقوقهن الأساسية بسبب الانتهاكات المستمرة من قبل جميع أطراف النزاع، وعلى رأسها النظام السوري. 
يخلو القانون السوري من أي رادع جدي يمنع التحرش الجنسي والعنف الرقمي، ولا يفي بالحاجة لحماية النساء بشكل كافٍ. تتنوع أشكال العنف الرقمي التي تواجهها النساء في سوريا بين التشهير، الرسائل ذات الطابع الجنسي، والتحرش الإلكتروني. 
على الرغم من كون هذه الأشكال من العنف مشتركة على صعيد العالم العربي وعالمياً، غير أن لمناطق النزاع خصوصياتها. في الحالة السورية تختلف معاناة النساء تبعاً لمنطقة السيطرة اللواتي يعشن فيها. في مناطق سيطرة الحكومة المؤقتة والإدارة الذاتية، يُطبَّق القانون السوري مع بعض التعديلات، وفي مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ، يُطبّق الفقه المقارن المستند إلى الشريعة الإسلامية. هذا التنوع القانوني يزيد من تعقيد الحماية القانونية للنساء. وبغض النظر عن تفاوت احتمالات الحماية القانونية تبعاً للمناطق، فإن النساء الناشطات سياسياً يتعرضن للعنف الرقمي بسبب نشاطهنّ السياسي، وتعانين من هجمات تستهدف حياتهن الشخصية وسمعتهن، وغالباً ما تتصاعد مع زيادة فعاليتهن السياسية. ويتفاقم خطر التعرض للعنف الكترونياً بالنسبة للاجئات في المخيمات تبعاً لسهولة خرق خصوصيتهن عبر الخيام، إضافة إلى النساء اللواتي تحوّلن إلى معيلات لأسرهن فجأة، بحيث تصبح بياناتهن متاحة بسبب انتشارها بين المؤسسات العاملة في الإغاثة. 
على صعيد آخر، تختبر الفلسطينيات العنف الرقمي في ظل واقع استعماري يقطع الطريق على إمكانيات تأمين الحماية للنساء. تعاني النساء الفلسطينيات من العنف الرقمي المتعدد الأشكال، وتعاني الناشطات في الجمعيات النسوية في مناطق الـ 48 من الابتزاز والتهديدات من عصابات الإجرام والسلاح. كما يستخدم الجيش الإسرائيلي المراقبة الرقمية لابتزاز أفراد مجتمع الميم عين، مهدداً بفضح ميولهم الجنسية أو صورهم الحميمية. الى ذلك، برزت وسائل التواصل الاجتماعي كأداة محورية للفلسطينيين لتوثيق الجرائم والانتهاكات المرتكبة بحقهم، لا سيما في ظل الحرب المستمرة على غزة. لكن السلطات الإسرائيلية تستخدم سلطتها لقطع الإنترنت عن قطاع غزة، مما يزيد من حالة الخوف وعدم اليقين لدى السكان ويعيق توثيق الانتهاكات. في الضفة الغربية والقدس، يتعرّض الفلسطينيون للملاحقة بسبب تغريدات تتعلق بالحرب على غزة. 
بسبب الاحتلال وتقطيع أوصال فلسطين التاريخية، تتعدد السلطات القانونية، إذ تفرض السلطة الفلسطينية قوانينها في الضفة الغربية، بينما تطبق حكومة غزة قوانينها، وتخضع القدس والداخل الفلسطيني لقوانين الاحتلال الإسرائيلي. يؤدي هذا التشظي إلى فجوات كبيرة في الحماية القانونية للنساء. على سبيل المثال، هناك قوانين عقوبات قديمة تطبق في الضفة وغزة، فيما تعتمد القدس والداخل الفلسطيني على القانون الإسرائيلي. رغم مصادقة فلسطين على اتفاقية "سيداو"، فإن غياب دولة ذات سيادة يحول دون تنفيذ التزاماتها لحماية النساء من العنف.
مع استمرار الاحتلال والانقسامات السياسية والجغرافية، تبدو جهود حماية النساء الفلسطينيات من العنف الرقمي والعنف بشكل عام بعيدة المنال. يلعب المجتمع المدني دوراً محورياً في هذا السياق، إذ استحدثت لجان مجتمعية ونساء مصلحات لتقديم الدعم والحماية خارج النظام القانوني الرسمي. ومع ذلك، يبقى الوصول إلى العدالة الكاملة والمساواة بين الجنسين تحدياً كبيراً في ظل الظروف الحالية.بهذا المعنى، تظل النساء الفلسطينيات عالقات بين أنظمة قمعية متعددة تزيد من معاناتهن وتعقيد حياتهن اليومية، ما يتطلب جهوداً مستمرة من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية لدعمهن وحمايتهن من العنف الرقمي والجسدي على حد سواء.
في الأردن أيضاً وحدة مخصصة لمكافحة الجريمة الالكترونية. وفي عام 2023 أُقرّ قانون الجرائم الإلكترونية الجديد الذي أثار موجة من الانتقادات لاحتوائه على مواد قمعية. وقد حصل هذا التراجع في ظل ارتفاع نسبة العنف ضد النساء ليبلغ عدد جرائم قتل النساء في الأسرة 27 امرأة في 2023. وقد تضاعفت الجرائم الإلكترونية عموماً 6 مرات بين عامي 2015 و2022 لتصل إلى 16027 قضية في 2022، منها 1285 قضية ابتزاز.
القانون الأردني الجديد 
في السياق الأردني تقل الدراسات المركزة على العنف الرقمي المبني على النوع الاجتماعي فتبدو المعلومات مشرذمة حول واقع العنف في هذا المجال. وقد أجريتُ مقابلة مع ناشطة أردنية في مجال العنف الرقمي، تتحفظ على مشاركة اسمها بسبب الخوف من موجة القمع السائدة من العام الفائت. حدّثتنا سارة (اسم مستعار)عن العنف المنظم والموجه ضد المحتوى النسوي أو الكويري في الأردن. 
تقول سارة إنها تبعاً لخبرتها وعملها مع منظمة غير حكومية على الخط الساخن المخصص لتلقي شكاوى حول حالات العنف الإلكتروني، أنه تركز في معظم الحالات حول الابتزاز الإلكتروني  وحملات تهديد على منصات التواصل الاجتماعي تصل أحياناً إلى التهديد بالقتل. مستوى الخطورة في تهديدات التي تستهدف النساء يختلف عن تلك التي تستهدف الرجال، بحيث تتمحور الأخيرة حول فرصهم بالعمل مثلاً، تقول سارة. 
تشير سارة إلى تصاعد الحملات التي تستهدف الكويريين والخطاب النسوي في الأردن خلال عام 2023، والتي أدت إلى ترك عدد من الناشطين/ات للبلد. ومن القضايا البارزة التي تستعيدها سارة ما تعرّضت له المحامية هلا عاهد من حملة عنف على منصة تويتر بعد أن أعلنت عن جلسة تتعلق بقضايا نسوية متعددة وكانت ستقوم بتقديمها. كل ما حصل في هذه الحملة من كلام وتهديدات كان "بيخزي، وكلها جرائم الكترونية، ولكننا نعرف أن القوانين الالكترونية ببلادنا ليست مصممة لحماية الناس إنما لحماية السلطة الحاكمة". في العام نفسه كان قد صدر قانون مكافحة الجرائم الالكترونية، وصدر بالتوازي مع الحملة ضد عاهد، لكنه لم يشكل لها أي حماية. 
تصف سارة القانون بأنه الأسوأ بين قوانين الجرائم الإلكترونية الصادرة في الأردن. وقد أقر خلال 3 أسابيع بصورة استعجالية لافتة، بالمقارنة مع قانون حماية البيانات الشخصية الذي بقي 9 سنوات في الحلقات التشريعية قبل إقراره عام 2023 أيضاً. 
تضيف سارة أنه، منذ إصدار قانون الجرائم الالكترونية بدأت الرقابة الذاتية مباشرة. وترد سارة الاستعجال إلى "حاجة السلطة لأن تسيطر على الحراك المعارض، فمع تعديلات القانون تمكنت من توسيع أهدافها، وأصبحوا بمجرد رؤية شخص في مظاهرة مرخّصة، يقومون بنبش منشوراته/ها، أو تلفيق منشورات له/ا واعتقاله تبعاً لقانون مكافحة جرائم المعلوماتية". 
تضيف أنه في القانون هناك مادتان تمسان بالمحتوى النسوي والكويري، وهو ما بات يبرر ملاحقة الناشطات في حال تنظيمهن لجلسات تتضمن محتوى نسوي أو كويري، وأنه بكل الأحوال قبل القانونون بعده تتعرّض النساء والمجموعات النسوية للملاحقة، بناءً على منشورات تصنفها السلطات أنها مخالفة للآداب العامة، وذلك من قبل المخابرات والأمن القومي ومحافظ العاصمة".
تبعاً لسارة تضاف ممارسات السلطات القمعية إلى العنف الممارس ضدهن من قبل المجتمع في المساحات الرقمية وبسببها. والتهديدات التي تتعرض لها النساء، يمكن أن تمر بالعائلة حيث يطال التهديد العائلة بسبب ما تنشره امرأة، أو تهديد امرأة بعائلتها، وبسمعتها. وبكل الحالات، في حالة اعتقال امرأة، فإن الضغط الذي يمارس عليها يكون أيضاً مضاعف: العائلة والدولة. فعندما تلاحق امرأة بسبب منشوراتها أو تعتقل، تقوم العائلة بتقييد تحركاتها ومنشوراتها. برأي سارة فإن "السلطة تعتمد على العائلة للقيام بدور عزل النساء". وتشير سارة إلى تحولات لافتة حصلت بعد 7 تشرين أول/ أكتوبر، لا سيما على خلفية المظاهرات التي حصلت في رمضان، إذ أنه خلال فترة الصيام تصبح النساء قادرات أكثر على البقاء خارج المنزل لأوقات متأخرة ليلاً، بالتالي البقاء في التظاهرات التي كانت تحصل لدعم فلسطين، ما جعلهن، وقد استفادت النساء من حضورهن لتأمين الحماية من عنف الشرطة ضد المتظاهرين الرجال عندما تقرر انهاء الشرطة إنهاء المظاهرة. تقول سارة أنه في هذه اللحظة انتقلت الشرطة الى ممارسة العنف ضد النساء وملاحقتهن ونبش منشوراتهن على السوشل ميديا. 
المشكلة في ممارسة العنف من قبل سلطات الدولة وسلطات إنفاذ القانون هو أن الضحايا لا يملكن جهة يلجأن إليها تستطيع تأمين الحماية لهن. بالمقابل، تشير سارة إلى الحالات الأكثر شيوعاً التي تلعب فيها وحدة مكافحة الجرائم الالكترونية دوراً، في حال تمكنت المرأة من الوصول اليه. "تحديداً في حالات الابتزاز التي يهدد فيها رجل بنشر صور امرأة من دون حجاب"، تقول سارة. على الرغم من إمكانية التعاون، فإن الجهات غير الحكومية العاملة في هذا المجال "لا تستطيع دائماً أن تنصح المرأة بالتوجه إلى وحدة مكافحة جرائم المعلوماتية، خصوصاً في الحالات التي تتخوف فيها الفتاة من وصول هذه المعلومة إلى أقاربها أو عائلاتها، هذا في حال كانت تستطيع الخروج من المنزل لتصل الى الوحدة، أيضاً في حال كانت في العاصمة ذلك أن النساء في الاطراف ليس لديهن وصول الى الوحدة". 
أما لجهة التحرش الالكتروني، فتقول سارة أنها لم تستقبل شكاوى تتصل بالتحرش سوى حالة واحدة، وتبدو هذه الاجابة منطقية في ظل عدم إصدار قانون لتجريم التحرش الجنسي في الأردن حتى الآن. 
تختم سارة حديثها بالقول، أنه مؤخراً بات من الواضح في الأردن أن قانون مكافحة الجرائم الالكترونية مصمم كأداة لإسكات الأشخاص وليس حمايتهم من العنف في المساحة الرقمية، هذا الأمر يتفاقم بالنسبة للنسويات والمجموعات النسوية والكويريين/ات/ بالتوازي مع غياب حاضنة اجتماعية للأفراد في حال ملاحقتهم على خلفية هذه القضايا. 
في السياق الأردني، وتبعاً لقانون جرائم المعلوماتية، تعتبر الجريمة الإلكترونية أي جريمة معاقب عليه بقانون نافذ، حصلت في المجال الرقمي. عام 2023 صدر قانون جرائم المعلوماتية الجديد أضاف إلى ما سبق معاقبة كل من "نشر أو أعدّ أو أنتج أو حفظ أو عالج أو عرض أو طبع أو اشترى أو باع أو نقل أو روج أنشطة أو أعمالاً إباحية باستخدام الشبكة المعلوماتية أو تقنية المعلومات أو نظام المعلومات أو موقع إلكتروني". أيضاً يعاقب القانون "كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو تقنية المعلومات أو نظام المعلومات أو أنشأ موقعاً الكترونياً للتسهيل أو الترويج أو التحريض أو المساعدة أو الحض على الدعارة والفجور أو إغواء شخص آخر أو التعرض للآداب العامة". 
أقرّ هذا القانون ووضع موضع التنفيذ رغم مطالبات مؤسسات حقوقية وناشطين/ات البرلمان بعد اصدار لما يتضمنه من أدوات لقمع حرية التعبير. اذن، يأتي اقرار هذا القانون في سياق معاكس للحاجة منه، وهو تأمين الحماية للفئات الأكثر عرضة للعنف في المجال الرقمي، لا سيما النساء والفتيات. ذلك أن مكافحة العنف الإلكتروني تتطلب إلغاء القوانين التي تلاحق النساء على سلوكياتهن الشخصية بمفاهيم فضفاضة مثل "الأخلاق العامة".
وتبرز خطورة ملاحقة الافراد في المساحات الرقمية تبعاً لقوانين تتصل بالقدح والذم، أو تلك المتصل بالآداب العامة وحماية قيم الأسرة في تركيز موقع سلطات إنفاذ القانون كجهة قامعة للنساء وممارسة للعنف ضدهن، بدلاً من جعلها جهة آمنة تلجأ إليها النساء لحماية أنفسهنّ. 
 

مدونتنا