على خطّ طويل من الأنوثة للرجولة.. أين أقعُ حقاً؟

“وبدت إطلالتها أنثوية للغاية"... جملة قرأتها كثيراً ولربما كتبتها بنفسي، فلا يوجد صفة مثالية كالأنوثة. لماذا؟ لا أعلم. الأنوثة بطبيعة الأحوال تمثل المرأة والمرأة هي كائن عظيم ورائع، يصنع الحياة، ويربّي الأجيال وله معالم جمالية غالباً ما تكون أفضل من الرجال لأنّهم خشنون مليئون بالشعر ولا يعرفون كيفية استخدام المرحاض. بالطبع أنا أمزح. فهناك نساء مليئات بالشعر، ويفضلن التبول وقوفاً في الأماكن العامة تجنباً لالتقاط الباكتيريا، وقد يكون هذا الأمر فضائي للبعض، لكنّه حقيقي لي. أتذكر منذ الصغر، أنّني كنت اقف تحت الدوش وأتبول وقوفاً لأجرب الشعور، وأقول أنّه أفضل شعور مررت به، حتى أنّني تمنيت أن أصبح رجلاً فقط كي أتمكن من أصيب أماكن بعيدة أثناء التبول. هذه بالطبع ليست أفكاري الحالية، بل افكاري حينما كنت طفلة لربما بحسب علم النفس التقليدي، عانيت من الـPenis Envy أو حسد القضيب. كانت الأنوثة بالنسبة لي وما زالت، غريبة بعض الشيء، فلا أعلم حتى اليوم أين أقع منها. هذه أفكار قديمة، فأنا لا أريد أن أطرح فكرة أنّ لا يوجد ثنائيات (أي رجل وامرأة)، بل يوجد خط طويل ونحن نقع عليه، معظمكم يعلم هذا ويقف ضدّه ويقول أنّ الفكرة مأخوذة من الغرب ولا يوجد سوى آدم وحواء. 

كانت الرجولة والأنوثة أمور مهمة بعلم النفس والروحانيات وحتى الفلك. وبالنسبة للكثير من المؤمنين بنظريات الكون، أنّ هذه الثنائية هي ما تحرك العالم. أمّا أنا، فلم أفهم يوماً شيئاً منها. أحب ارتداء التنانير، لكن غالباً ما أختار تنانير لديها طابع edgy كي لا تبدو إطلالتي أنثوية، لأنّ هذا سيشعرني بعدم الارتياح. ربما أرتدي تنورة وعليها قميص من قسم الرجالي، لا أعلم. منذ الصغر خفت من التعاريف المنتشرة حول كيف أكون أنثى. وكنت أخاف من تبضّع الملابس مع خالتي لأنّها ستشتري لي ملابس للفتيات وهذه الملابس كانت تخيفني. كانت خالتي تمثّل التعريف الحقيقي للأنوثة، أي ذلك التعريف الذي تمّ وضعه من قبل العالم. كانت ترتدي ملابس أنثوية وتتمتع بصدر كبير، أمّا أنا ففي يوم من الأيام، سألتني متى سيكبر صدري. خفت يومها، لانّه سؤال طرحته على نفسي مطولاً، ولم يكبر أبداً. أعلم أنّ سؤال خالتي لم يأتِ خبثاً أو تنمراً، بل أتى حزناً على حالتي. فتاة في المراهقة، صدرها صغير. حينها، قالت لي "ما بصير هيك" وتمنيت لو يوجد خط ساخن مع آلهة الخصوبة والجمال، كي أطلب منها صدر كبير يعجب العائلة والجيران. لكن للأسف، عشت مع صدري الذي بقي بالحجم نفسه منذ المراهقة حتى اليوم 32 A، أو لا شيء. 

لم يكن صدري الصغير هو مشكلتي مع الأنوثة فقط، بل كان كل شيء آخر. لم أشبه بنات المدرسة، ولربما لأنّ أمي لم تشجعني يوماً على شراء الإكسسوارات، ففي يوم من الأيام أتت لي صديقة وقالت لي أنّه يوم الإكسسوارات، ولم أفهم شئًا. كان يوم الإكسسوارات عبارة عن اليوم الذي نخرج به لنشتري إكسسوارات، وأخذتني لمحالات كبيرة فيها كل أنواع الإكسسوارات. كان من الجميل أنّ أمها خصصت لها مصروفًا للإكسسوارات، أمّا انا فلم يعجبني شيء، ولم أملك الرفاهية كي أخصص يوم للإكسسوارات، واشتريت فقط كي أكون مثلهنّ، ولم أرتدِ منها شيئًا أبداً. أنا أحب الإكسسوارات بطبيعة الأحوال وبالأخص أقراط الأذنين، كنت في يوم من الأيام منذ 4 سنوات قد قررت أن أوسّع ثقف أذني لأنّني أغرمت بستايل مغنيي الروك في الصغر، وقلت أنّ بين كل ما أعرفه، أعرف أنّ حينما كنت في الـ13 من عمري، تمنيت أن يصبح شكلي مثل الروك-ستار، وأن أرتدي أقراطًا في وجهي وأذني. فعلت ذلك الثقب واشتريت عدة التوسيع من علي إكسبرس. كان الجميع (وما زال) ضدّ هذا الثقب الواسع، والجميع يعطيني رأيه بكم هو قبيح، وأنا أتفهّم. لكن بالنسبة إلي، هذا الثقب كان وسيلة لأعبّر عن نفسي أو لأن أقول لنفسي المراهقة أنّنا يمكننا أن نختار إكسسوارات بعيدة عن خيارات بنات المدرسة. 

حينما أغرمت بالروك في المراهقة، تعرفت على فتاة في الثانوية، أيضاً مغرومة بالروك وتسمع الموسيقى نفسها وأصبحت صديقة مقربة لي. كانت زينب تحب الموسيقى العالية والصاخبة وكانت شخصيتها مميزة، تحب وضع الكحلي وقص شعرها، لكن كانت زينب تعتمد اللباس الديني الذي فرضه والدها عليها، ترتدي فستان طويل تحته بنطال واسع وتضع إشارب يغطي وجهها حتى ذقنها وينسدل على كتفيها وصولاً لصدرها. لربما هذه هي الإطلالة الأنثوية للغاية في ذلك الشق من العالم. لم يعبر لباس زينب عمّا تحب، فكانت تخفي ذوقها بالموسيقى وكانت تحلم أن تذهب إلى حفلة صاخبة وأن تعبّر عن شخصيتها كما تريد من دون أن يحزن والدها. 

في كل ما ذكرت أعلاه، ليس من المهم أين نقع على هذا الخط من الأنوثة والرجولة. أو إن كنّا نحب أن نحلق شعرنا أو نشعر أنّ الشعر القصير أنثوي أكثر أو أن نرتدي إكسسوارات ملونة كبيرة أو نفضل الإكسسوارات الفضية، ليس مهم إن كنّا نحب أن نكون أمهات أو أن نكون عازبات، أو إن كان هناك أشخاص يشعرون أنّنا مسترجلات أو "مليئات بالنعومة والإثارة". المهم في كل هذا أن نعبّر عن أنفسنا كما يحلو لنا وأن نملك الحرية لنقوم بذلك. وهذا ما حُرمت منه الكثير من الفتيات، لربما بسبب الدين وربما بسبب التقاليد، وربما بسبب الرجولة أصلاً. فالذكورية فرضت علينا قوانين الرجولة والأنوثة. فحتى الرجال الذين يقعون على الشق القريب من الأنوثة، هم منبوذين ومكروهين بطبيعة الأحوال. التعبير عن النفس هي رحلة، ويأتي معها الكثير حتى من المصاعب التي لا يمكن أن نسيطر عليها. نحن لا نتحدث فقط عمّا يفرض المجتمع، نحن أيضاً نتحدث عن أجسادنا. عن ماذا نفعل بالشعر الزائد إن كنّا فتيات بشعر زائد. كيف يرى المجتمع أنّنا نظيفات وكيف يرانا كسولات إن مرّ يومٌ لم يكن الوقت يساندنا لنحلق شعر جسدنا. كل هذا ضغط، وتبقى الشجاعات، اللواتي تعبرن عن أنفسهن، بالرجولة أو بالأنوثة أو بالنصف حيث لا يوجد شيء ولا يوجد قوانين وقواعد، ولا يوجد كل هذه الأسئلة والسيناريوهات.



 

مدونتنا