حقيقة لا تخذلنا ولو ليوم واحد فقط

ثلاثة أشهر على الانفصال، وهذه المرّة الأولى التي أقرّر عدم البوح بما مررنا به سويّا في مذكراتي. ربّما خوفًا من اعترافات لا أودّ مواجهتها وربّما لأنّ الانفصال كان وقعه أشدّ كثيرا ممّا تصيغه الكلمات. لكنّني هنا اليوم أكتب رسالة علّني أزيل هذه الغمامة عن قلبي، علّي أزيح ستار اليأس الذي يتربّص بنا جميعًا، ليس في علاقاتنا فحسب بل بيننا وبين أنفسنا، في تلك المساحة الخفيّة التي تكبر فيها الأورام دون أيّ علاج. 

سأعترف للمرّة الأولى أمام نفسي، أنّ هذه الحياة لا تغريني، أحيانا أنظر الى المرآة وأرى خلفي ضجيج العائلة، أطفال صغار أطلقت عليهم في كلّ مرّة أسماء مختلفة وكتبت سيناريوهات عديدة، رأيتني فيها أمارس دور الأمّ والحبيبة والعاشقة المنتظرة عودة الشريك، والحضن الدافىء والألم المرافق لكلّ صياح على عادات لن تتغيّر: كعدم رمي القمامة، والقدرة على تجاهل غسيل الصحون والملابس المكدّسة في غرفة النوم. أستيقظ من الحلم لأجدني أمام مرآتي أضع أحمر شفاه أحمر اللون، أضحك على هذا الوهم الكبير الذي نعيشه، وأفكّر كيف سأمضي يومي بعد انتهاء العمل.

لم أكن يوما أكره الزواج، بل ما أكرهه حقيقة هم المتزوّجون! أولئك الذين يتقنون أدوارهم وكأنّها مكتوبة، تنفّذ بحذافيرها، لا ارتجال، نصّ واهن سخيفٌ أحيانا وفي أحسن الأحوال  يضيف الكاتب حبكة تعقّد رتابة الأيّام بعلاقات خارجية أو إعجاب طفوليّ أو خيانة مرسومة أو صداقات غريبة. لكن كلّ ما سبق لا يستطيع أن يمحي عن وجه ممثّلي الأدوار الحزن والأسى والندم على ما فعلوه بأنفسهم وبغيرهم

في أوقات سابقة من عمري، كنت أحبّ الأطفال، ولا أزال. ولكنّ هذا الحبّ إختلف في السنة الأخيرة، لم أعد أقوى على اللعب معهم كما قبل. يشكّلون عبء على رحمي، أشعر به، بقوّته، بضغطه المستمرّ على المثانة، والرغبة أحيانا في التقيّؤ كأعراض الحمل الكاذب. لا أقوى الآن على إنجاب طفل، على أنانيّة الفكرة وقسوة رمي ذاك اللحم الطريّ في السوق السوداء للبشر، لا أقوى اليوم على هذا الحبّ، فلقد استنزفت كثيرا… ربّما أكثر من المطلوب.

 كيف نكبر بهذه السرعة؟ أسأل نفسي! لا أعلم! في بعض الأوقات أشعر أنّني بركان من الطاقة، أحتاج أن أرقص بشدّة وأن أسافر بعد وأن أستكشف البشر وأغوص في طيّاتهم، أن أعتاش على هذا التواصل بيني وبين من أتعرّف عليهم! وفجأة حين تغدر بك الطبيعة البشرية، وتتكشّف الحقيقة وتتوالى الخيبات، تصبح عاجزا لا تستطيع الاستيقاظ والصحو من سريرك، بل لا تجرؤ على النهوض والابتسام لوجه آخر قد يدير لك ظهره بين ليلة وضحاها!

اليوم، يوم عطلتي الوحيد في الأسبوع، إستفقت كالعادة باكرًا، ارتديت ملابسي ونزلت مع أميمة لشرب القهوة في مقهى "رومي" يطلّ على الشارع. لا جديد في هذه الرواية فهي عادة أقوم بها أسبوعيّا، أحاول شحن تلك البطاريّة التي تسمّى القلب بشمس تأتي وتغيب كلّ دقيقة. أشكرها على وجودها في أيّامي الأكثر كئابة، وأنظر إلى الناس من حولي، ألهو بحديث حول الحياة ومعانيها. ونبتسم في النهاية، نشعل سيجارة، نرتشف بعضا من “اللاتيه” ونموت همّا لا من مراقبة الناس بل من إحساس لحظيّ بالعجز قد يمتدّ ليستقرّ في زاوية العين على شكل دمعة. 

سأخبركم أمرًا قد يكون لطيفا لأنهي به هذه الرسالة. أستيقظ كلّ صباح، أحاول ألاّ أكون جاحدة، أتذكّر أهلي ومساندتهم لي حتى في أكثر أوقاتهم محنة وتعبا وصعوبة، أتذكّر أصدقاء/عابرون مرّوا كي يضيفوا جرعة من إكسير الحياة الذي لا نقرأ عنه سوى في الروايات، أتذكّر حبّا لم ينته على ما يرام ولكن كنت محظوظة أن أعيشه بشجاعة، ألاّ أجبن من المحاولة، أتذكّر أيّامي الجميلة في بيروت، أصدقاء لن يغيب أثرهم عن القلب مهما قست القلوب، أتذكّر البحر وعشقي له، اللمسات الشقيّة، الاتصالات الهاتفية، دفء عناق بعد ليلة سكر شديد… أتذكّر حتى خساراتي التي أحاربها بالأفلام الكلاسيكية المصرية والأجنبية ولا أربحها دائما… وحين أضع قدميّ الاثنتين على الأرض، أتلمّسها جيّدا، أشعر بالبرودة، وأتمنّى أن يمضي اليوم ليس بسلام خائب لا معنى له بل بحقيقة تشبه تلك الموسيقى التي أسمعها، حقيقة تولّد شعورا جميلا، ولا تخذلنا..  ولو ليوم واحد فقط.

#الحب_للشجعان

مدونتنا