حبيبي لا يكترث لحذائه المتسخ

لقد رآني بفستاني الأسود المرّة الماضية. وفي المرّة السابقة لها، رآني الفستان الأزرق ذي الورود الزهرية الذي يبرز مفاتن أردافي. سأشتري فستانًا جديدًا لم يره عليّ من قبل. ربما فستانٌ أخضر مزدان بورودٍ بيضاء. لكن، عليّ أولًا أن أزيل اللون الكحلي عن أظافري، وأطليها بلونٍ يليق بالأخضر، كالوردي مثلًا.

أذهب إلى الصالون لتسريح شعري، وأطلب من أمّي أن تُعدّ لي عجينة السكّر، لأزيل شعر ساقيّ كلّه، حتى أصغر شعرة. أتأكّد من أنّ حواجبي نظيفة ومتساوية، ومن أنّ بشرة وجهي خالية من أيّ بثور. حتى البثور الطبيعية التي تظهر على وجوه كلّ البشر، لا أريدها أن تفسد لقائي بحبيبي.

أقف أمام المرآة، أفكّر بأيّ لون حمرة يليق بشفتيّ أكثر، أو بأيّ لونٍ قد يُفضّل هو أن يراه عليهما. أختار خواتمي بعناية، رغم أنّني أفضّل ارتداء الخواتم نفسها يوميًا، إلّا أنّني، في مثل هذه المناسبة، أشكّك في علاقتي الوفيّة بها، وفي فرادتها التي تجعلني أظنّ أنّه لن يرى امرأة أخرى ترتدي مثلها.

أنظّف أذنيّ أكثر من مرّة، رغم أنني أفعل ذلك يوميًا كما يفعل أغلب البشر. لكنّي أريد التأكّد من أنّه، في حال تأمّل إحدى أذنيّ صدفة، سيجدها تلمع من شدّة نظافتها.

أفرد على بشرتي قليلًا من الكريم الفاخر الذي أهدتني إيّاه أختي. في حال اقترب ليلمَس يدي أو يُقبّل كتفي، أريده أن يلاحظ أن بشرتي ناعمة، وتفوح منها رائحة جميلة تشبه زهور الأوركيد.

ثمّ أرشّ على رقبتي وأطراف كفّي بضع رشّات من العطر الذي اختاره لي أخي بعناية خلال سفرته الأخيرة إلى أوروبا. (أرشّ أيضًا بضع رشّاتٍ في الهواء وأعبر بينها... لكنني متردّدة في مشاركة معلومة سريّة كهذه).

أتّصل بصديقتي يارا ثلاث مرّات، وأرسل لها صورًا لنفسي من زوايا مختلفة، لأريها ما أرتدي، وأتأكّد من أنّني أبدو جميلة من كلّ الجهات. ثمّ أتّصل بسيلين مرّة واحدة، لأتأكّد من أنّها توافق أيضًا على أنّ مظهري جميل، كما وافقت يارا قبلها.

هكذا، تشارك الكوافيرة سهام وجميع أفراد العائلة في إعداد مظهري، ولو من دون معرفتهم بالدور الموكل إليهم: سهام تسرّح شعري، وأمي تُعدّ عجينة السكّر، وأختي تهديني كريمًا فاخرًا، وأخي يقدّم لي عطرًا غير متوفّر في لبنان (ما يعني أن احتمالية أن يصادف حبيبي امرأةً أخرى تضع العطر نفسه ضئيلة جدًا).

أما يارا وسيلين، فصديقتان تشاركان، بإرادتهما الكاملة، في عمليّة إعداد مظهري، ذلك المظهر الذي عليه أن يقترب، قدر المستطاع، من الكمال.

في سيارة الأجرة، في طريقي إلى الحانة، أفتح مرآتي اليدويّة الصغيرة مرّات عدّة، لأتأكّد من أن عينيّ تبدوان جميلتين، ومن أن أحمر الشفاه لا يزال موزّعًا بطبقة متساوية، ومن أن بشرة وجهي لا تلمع أكثر من اللازم.

أصل إلى الحانة. أختار طاولة وأجلس. أتأكّد من أن ساقَيّ تعانقان بعضهما بشكلٍ مثير ولائق في الوقت نفسه. يخطر في بالي تعليق أمّي الشهير، الذي كانت تردّده تسع مرّات في اليوم وعلى صوتٍ عالٍ: "جلسي ظهرك!" أسمعه في أذني بوضوح، وكأنها تجلس إلى جانبي.

أتأكّد من أنّ ظهري مستقيم، وأنّ شعري لا يغطّي وجهي، وأنّ ساقي لا تبدوان سمينتين (رغم أنّه ليس لديّ حلٌّ فوريّ إن كانت تبدوان سمينتين، وبرغم أنّه لا بأس في الساق السمينة، لكنّ اللعنة على تلك المعايير التي لم أتحرّر منها بعد، والتي تقيدني أكثر فأكثر كلّما وقعت في الحبّ).

يطلّ حبيبي من بعيد، يبتسم، ويقترب. بعد كلّ هذا العناء، أكتشف أنّه أتى مرتديًا الـ"تيشيرت" الرمادية نفسها التي يرتديها في المنزل، مطبوعٌ عليها شعار "بات مان"، وتتوسّطها بقعة صغيرة سبّبها سائل غسل الصحون. لم يخطر في باله زيارة الحلاق، ولا تلميع حذائه الأحمر المتّسخ. بل أجد أيضًا، على أنفه، شعرة سوداء وواضحة.

لكنّني لا أكترث. لا لحذائه المتّسخ، ولا لتيشيرت "بات مان". وفي الحقيقة، إنّ تلك الشعرة السوداء الصغيرة على أنفه تجعلني أبتسم. أحبّه كما هو. أحبّه كثيرًا...

لكنّ لا مبالاته تجعلني أتساءل: هل يحبّني كما أحبّه؟

«جلسي ظهرك» VS. «بات مان»

حين أفكّر مليًّا، أظنّ أنّه يحبّني أكثر مما أحبّه. المشكلة ليست في مقدار الحبّ، وليست في مبالاته أو عدمها. المشكلة هي أني منذ الطفولة، أسمع أمّي تردد:

"جلسي ظهرك."

"قعدي منيح."

"الواسع ما بيلبقلك، بيطلعك سمينة."

"شدّي حنكِك إنتِ وعم تحكي."

"ليه شعراتك منكوشين؟"

بينما والدة حبيبي، سمعتها مرارًا وهي تقول له: "نيالها يلّي حتاخدك." هكذا، بدون ظهرٍ مستقيم، ودون قلق من حجم جسده، ترى والدته أنّ التي ستحبّه ستكون محظوظة جدًّا.

أنا لا ألوم أمّي، فهي ليست سوى امرأة تشرّبت قواعد بيئتها ومجتمعها: على الفتاة أن تهتمّ بأدقّ تفاصيلها، ليس فقط كي يحبّها رجلٌ، بل كي لا يشير أحدٌ بإصبعه إليها. على الفتاة أن تسعى دومًا إلى الكمال، مهما كان صعبًا.

ولا ألوم أمّ حبيبي أيضًا، بل على العكس تمامًا، هو محظوظٌ بحبّها غير المشروط، وربما هي تقول لابنتها أيضًا: "نيّالو يلّي حياخدك". لا أعلم.

يجدر بالذكر أنّني التقيتُ حبيبي كثيرًا من دون موعدٍ مسبق، فاضطررتُ إلى لقائه بسروالٍ واسع يُظهر أردافي أسمن ممّا هي عليه، أو بطلاءٍ مقشور عن أحد أظافري، أو من دون أحمر شفاه.

في مثل هذه الحالات، كنتُ أُعبّر عن قلقي تجاه شكلي البعيد عن المثالية، لكنّه كان يبتسم ويقول: "شو بك؟ بتعقدي!"، ثم يضيف بهدوء، وبشيءٍ من السخرية: "إذا بتضلّي هيك، رح تتعبي كتير".

لهذا، لا ألومه على المجهود الذي أبذله في شكلي، ولا على المجهود الذي لا يبذله هو في شكله. فهو أيضًا، وعلى ما يبدو، يحبّني... حتى لو كان حذائي متّسخًا.

بعيدًا عن اللوم، جميعُنا ندرك بوضوح أنّ المرأة في مجتمعنا تنشأ مستمعةً إلى تعليقات كلّ من حولها على مظهرها، وجسدها، وطريقة جلوسها، ومشيها، وحديثها، حتى تقتنع بأنّ حبّ الآخر لها سيتوقّف عند أمورٍ سطحية كهذه. بينما الرجل، فهو بالنسبة للجميع خارق، تمامًا كـ"بات مان"... فقط، وببساطة، لأنّه رجل!

حبيبي ليس وحده. صديقاتي يخبرنني عن رجال حضروا مواعيدهم الأولى دون أن يكترثوا حتى لرائحة أجسادهم. وهذه اللامبالاة لا تقتصر على المظهر، بل تطال الجهد العاطفي والمعنوي.

 أما أصدقائي الرجال، فهم يعترفون صراحةً بأنّهم لا يجدون داعيًا لبذل الجهد من أجل المرأة التي يواعدونها. حين يخبرني صديقي وائل أنّه على موعد قريب، أسأله بحماسة: "شو رح تلبس؟"

يضحك ويجيب: "أوّل شي بيطلع بإيدي."

رغم اعتمادي في السطور السابقة على صيغة المضارع، إلّا أنّ حبيبي الذي تحدّثت عنه لم يَعُد حبيبي. انفصلنا، ولم أعُد أذكر لماذا بالتحديد، لكن بالتأكيد ليس بسبب "تيشيرت بات مان".

تعلّمت من علاقتي برجل "البات مان" هذا الكثير، واغتنيت كثيرًا. تعلّمت ألّا أكترث لحذائي المتّسخ، وأقمت عهدًا مع نفسي أنني، في علاقتي القادمة، لن أكترث لشعري المنكوش، ولا لظهري غير المستقيم.

تعلّمت أن أستقبل الحبّ غير المشروط، تمامًا كما أقدّمه لمن حولي؛ حبٌّ لا يشمئزّ من شعرةٍ سوداء واضحة على أنف من يحبّ، بل يبتسم لها بلطف.



 

مدونتنا