اليوم القمر مكتمل في برج الحوت!

منذ عام دخلت عالم الروحانيات والأبراج وليس لأنّني مهتمة، بل لأنّ هناك فئة كبيرة على تيك-توك تنشر هذا النوع من المحتوى. يوم بعد يوم وجدت نفسي أشتري أحجار وأهتم بالتاروت وأتابع حركة الكواكب والنجوم وأقرأ جدول أبراج اصدقائي، وحتى أصدقائي (بنات وشباب) دخلوا في الدوامة هذه وأصبحنا جميعاً ننتظر أحداث فلكية كبيرة لنبرر فشل قصة عاطفية بكوكب ما. لا أعتبر هذا الأمر سيئ، فهو "هوس جيّد"، فأنا أعاني من شخصية مهووسة، أي تتعلق بفكرة أو أمر معين وتغوص بها، ولفترة كان هذا الأمر ما يلهيني. 

على كل حال، مع تمعني أكثر بالموضوع اكتشفت أنّ هناك طقوس وطرق لنستغل طاقة القمر والكواكب. القمر جميل بطبيعة الأحوال وله طاقة كبيرة تؤثر علينا، تعمل جاذبية القمر على تخفيف تذبذب الأرض، مما يحافظ على استقرار المناخ. وبدونه، يمكن أن يكون لدينا تقلبات مناخية هائلة على مدى مليارات السنين. كما أنه يسبب المد والجزر. ولهذا علينا أن نستغل طاقة القمر بأكمل وجوهه. فعندما يكتمل القمر يكون بأقسى قوته، هنا علينا أن نمارس طقوس "التطهير" أي أنظف البيت، وأضيء الشموع والبخور وأهتم بنفسي وأكتب على ورقة كل ما أريد أن أتخلص منه حتى أشخاص. وحينما يبدأ القمر دورة جديدة، أكتب ما أريد أن يحدث وأمارس التأمل، وأقنع نفسي أنّ هذه دورة جديدة لي، وليس للقمر. 

ومع الوقت، أصبح القمر المكتمل يخيفنا أنا وأصدقائي، فنحن نعلم أنّ في هذه الفترة تكون الذبذبات فوضوية وسيحصل أمور غريبة، ونتحضر لجميع السيناريوهات، والفكرة أنّ مع حصول أي سيناريو نلوم القمر والبرج المكتمل به، فهذا الشهر كان القمر مكتمل ببرج الحوت الأكثر حساسية وعاطفية، أي سيحدث أمور غريبة في العاطفة والمشاعر. وبالطبع، بما أنّ الكون يبرر لي ما يحصل قررت أن أكلّم إحدى الفتيات اللواتي كنت أخرج معهن، ولم تردّ عليّ، والمريح بالأمر أنّ ما حصل ليس خطأ منّي أنا، بل خطأ من الطاقة المنتشرة بسبب اكتمال القمر وحركة كوكب عطار والتي تؤثر مباشرةً على التواصل بين الناس. أي أنا لست خاسرة. 

مرّ الوقت وأنا أغوص في أسلوب الحياة هذا، اشتريت الكثير من الأحجار ولكل حجر وظيفة، أحياناً أكتشف أنّ هناك أحجار سيئة لمزاجي وهناك أحجار مناسبة لمزاجي. وفي كل فترة أمارس التأمل وأشعل زيوت طبيعية أو شمع أو بخور، وأكتب ما أريد أن أغير بنفسي. كانت هذه الطريقة ملائمة لي، أشعرتني براحة غريبة رغم أنّني أكيدة أنّها لا تغير شيء بالعالم بل بنفسي. حتى أنا وصديقي بدأنا نزور قارئة التاروت ونسمع منها وفي كل مرة نشعر بالملل ونشعر كأنّ حياتنا توقفت ولا يحدث شيء مهم، نحجز مع قارئة التاروت ونغادر. هذا ذكرني بجميع صديقات أمّي المهووسات بالتبصير ومعرفة الغيب والمستقبل، ورغم أنّني رأيت أنّ ما يفعلنه هو نوع من اليأس، أصبحت مثلهن لكن بالطريقة "المودرن" الملائمة بتيك-توك، فأول قاعدة بالتاروت هي أن تثقي بالأوراق مهما كانت. 

الغريب بكل هذا هو أنّني لست شخص مؤمن، ولا أكترث بالدين أو الصلاة، ومع هذا اتبعت أسلوب حياة قريب من أسلوب المؤمنين. في هذا المقال، سيسخر منّي الكثير وستروني كما أرى صديقات أمّي، وستخبرونني أنّ الإيمان بالله والصلاة أفضل من هذه الطقوس التي لا يوجد بها أي منطق. أنا أتفهم، لكن أنا أيضاً أسخر من نفسي وأسأل نفسي الكئيبة كل هذه الأسئلة. أحياناً الوحدة والكآبة ترمياننا في دوامات غريبة لا تفسير لها، ونجد أنفسنا نناقش أغرب الأمور مثل ماذا يفعل الـMercury retrograde بنا أو كيف سيحول القمر المكتمل في برج الحوت حياتنا إلى "خبصة". ويبقى هذا مجرد نكتة ومزحة مع الأصدقاء.

 يخبرني مرة صديقي الذي يعمل في علاج النفس العيادي أنّ البشر يحبون أن يحولوا ما يحدث معهم إلى قصص مكتملة مع تفسيرات واضحة، ولهذا لاقت نظريات فرويد قبول كبير من عامة الشعب، فهي تجعلنا نضع حياتنا في قصص وأحياناً القصص ممتعة، تماماً كما سرد الدين الأحداث التاريخية في قصص. وهكذا أصبحت هذه الأمور تجعلنا نعلّب ما يحدث معنا في قصص، ونقرأ أبراجنا قبل أي حدث مهم، ونتفاجأ بما سيحدث، ونجذب كل هذه الدراما في حياتنا. 

كان أسلوب مضحك جميل لا أنصح به بأي شكل وهذا كي لا تفقدن السيطرة. لكن أيضاً لا أحكم على من يعتبر هذه القصص أمور حقيقية لها تأثيرها على حياتنا، لكن من باب المزاح، من دون أن نأخذ الأمر بشكل جدّي، ومن دون أن نعيب الأشخاص الذين يؤمنون بها. 


 

مدونتنا