المرآة تكذب مثل البشر أحيانًا

29 years passed

مع مرور 29 عاماً من الزمن، أكاد لا أستطيع أن أحصي عدد الحميات الغذائية التي قمتُ بها، حاولتُ القيام بها وفي أغلبِ الأحيان فشلت في إكمالها لا وبل على العكس، أضفت كيلوغرامات جديدة إلى ما كنت قد خسرته… وطبعاً تأبى تلك الكيلوغرامات أن تتزحزح من أردافي.

4 Seasons

استيقظت يومها في حالة مأساوية، أتدركون تلك الأيّام العقيمة التي تبدأ بصباحات لا تعرف فيها معنى الحظ الجيّد؟ هكذا كان صباحي، إستيقظت متأخرة كالعادة، وقد جاهدت لكي أستطيع أن أجرّ نفسي من الفراش، كان الشتاء قد رحل تاركاً رواسب البرودة في الجوّ، سبب آخر كان من شأنه أن يعكّر المزاج، فها هو موسم الحيرة يبدأ في نوعيّة الملابس التي يجب ارتداؤها تلك التي تحافظ على جسمك سالما من بردٍ أو حرارة غير متوقع حدوثها في أيّ لحظة من النهار.

قد أكون كاذبة اذا صرّحت أنّ هذه الأفكار مرّت على رأسي جمعاء لحظة استيقاظي، كلّ ما جال في ذهني سؤال واحد: شو بدّي إلبس اليوم؟

فصول تمرّ علينا والثياب تتغيّر، قد تكون سميكة أو خفيفة، تقتل البرد أو تردّ حرارة الشمس أو في كلتا الحالتين لا جدوى منها في برد قارس أو حرّ قاسٍ، ولكن ما يبقى بتغيّر دائم هو كيف تراني مرآتي في هذه الفصول؟

Mirror Mirror on the wall who’s the prettiest of them all

لا يعترف أحد بما تجلبه المرآة عليه من تعاسة، كلّ يحاول أن يخبىء مرآته في أصغر صورة ممكنة، في محفظة، في علبة الماكياج، في درف صغير وكلّنا يهرب من تلك المرآة التي ان قرّرت أن تباغتك صبيحة يوم ربيعيّ، فسوف لن ترحمك. سوف تريك أصغر التفاصيل فيك، أصغر عيوبك وأكبرها حجما. تلك التي كانت ولا تزال موجودة انّما ما اختلف اليوم أنّ مرآتك الكبيرة في الخزانة قرّرت أن تقول لك الحقيقة، أن تنطق باسمك بكلّ وضوح والاّ تكذب عليك بعد الآن… قرّرت أن يكون جوابها بعكس ما تأمل:  لا مش إنت أحلى وحدة، مش شايفة حالك كيف صايرة، مش قادرة حتى إتطلع فيكي!!!؟

هكذا رمتني مرآتي اليوم من حدودها، وضعتني في قالب واضح، تقاسيم مرسومة بشكل مفصل، قالت لي لن أتبنّى ما ترتكبيه بحقّي بعد اليوم.. أنت لست جميلة.

Beauty and the beast

أخاف أن يراني الناس على انّي هذا الوحش القوي الذي لا ينكسر، أخاف أن تعلق هذه الصورة في ذهنهم فيصبح من الصعب عليّ حتى البكاء أمامهم، يصعب عليّ حتى الاعتراف بالفشل أو بالحاجة الى المساعدة.  وما يخيفني أكثر أنّك لن تستطيع أن ترى يوماً أنّ الوحش جميل! كلّ ما يمكن قوله عنه أنّه لطيف، مسالم، محبّب، قريب إلى القلب ولكن لم نسمع أبداً مقولة “جميل” تطلق على وحش بمدرّعات من لحم ودم.

ما ذكرته أعلاه لن يفهمه ربّما إلاّ من مرّ بأحد تلك المواقف الغبية على الطرقات. كنت يومها أزور أحد المعاهد التقنية في منطقة بئر حسن، وكنت في طريق عودتي الى البيت أنتظر سيارة أجرة كي تقلّني. مرّت دراجة هوائية بالقرب منّي، قام السائق بتخفيف سرعته ونظر اليّ بشكل مباشر. أكملت سيري، واذ به يلاحقني ليهمس لي جملة  مدويّة أعادتني الى طريق أتخفى دائما من عيون ناسه:

  • - يعني انت حلوة!! بس لو هال100 كيلو اللي حاملتيهن. ضحك كثيرًا بعدها ورحل.

Bang Bang he shot me down

المرآة تنهش أفكاري وتجعلني كلّما أسير مسافة صغيرة أتنبّه إلى قميصي الذي ارتفع قليلا من ضخامة أردافي أو بنطالي الذي وللحظة ما في الصباح كنت على ثقة أنّه سيكون شريكا لي في اخفاء جريمة جسدي. إلاّ أنّه وسط كلّ هذه المرايا التي تظهر في السيارات والدراجات وواجهات المحال وغرف تبديل الملابس وفي الهمسات على الطرقات وفي أعين الناس وضحكاتهم والتفاتهم لي او لغيري، لا أستطيع الهرب. فهي تلاحقني كما الشرطي الفاسد المرتشي، تبحث عمّا تأخذه منّي لتمنحني هذا الإحساس المؤقت بالرضا، ولو لثوان معدودة، وإن غدرتني تصيبني بطلقة ترديني أرضاً.

Truth or Dare

لم أتجرّأ يوماً على قول حقيقتي أمام المرآة، أخاف أن تسرق مني كلماتي فتردّ لي الصاع صاعين. أخاف أن أنظر إليها بشكل عاموديّ، فيكاد نظري لا يتحرّك عن مجال عيوني أو فمي أو وجهي بأقصى تقدير. أتجنّب أن ألائم ثيابي أمامها وكنت أستعيض عن هذا الأمر بسؤال أمّي أو جدّتي عن ثيابي وألوانها وكان يأتي السؤال الختامي قبل كلّ خروج من البيت:

مبيّنتني ناصحة هالكنزة!؟ ولاّ لأ… مبيّنة ناصحة بالبنطلون!؟

وان لم تأت الاجابة سريعة وكما أريد… أستمّر بعمليّة تعذيب نفسي بخلع وارتداء كلّ ما في خزانتي.. أبكي قليلا وأعود لأتماسك وأتذكّر أنّ عليّ واجبات، عليّ الذهاب إلى الجامعة، إلى العمل، فمهما ارتديت اليوم سأبقى تلك ال”ناصحة”، لن يغيب مطلقا الشعور الذي بدأت نهارك به.

هكذا أمضيت 17 عاماً من حياتي على الأقلّ أحمل همّي في مرآة حائط كلّما صغر حجمها كلّما صغر حجمي فيها. حقيقتي مع المرآة هي لعبة “جرأة أم حقيقة”… قد لا تتوقّع ما ينتظرك لكن تعلم جيّدا أنّك في اليوم التالي قد تستيقظ كهذا اليوم، ترمي عليك نفايات عامٍ بأكمله، نفايات كنت قد حفظتها في درج كي لا تراه، يضعك في قعر لن تستطيع الخروج منه قبل حين.

وقد ترميك بابتسامة بعد ساعات من قتلك فتدرك أنّ حلّك النهائي معها هو أن تدير لها ظهرك فتصبح الصورة ضبابية فتكمل ارتداء ملابسك بسلام، سلام على قدر المستطاع. فتتأكّد حينها أنّ المرآة لها وجهان… وتكذب مثل البشر أحياناً.

مدونتنا