العمل الرعائي… لكن لا يمكنني أن أرعى نفسي

في حديث مع صديقاتي، تخبرنا إحداهنّ أنّها منذ أن تناولت أدوية الإكتئاب وما عادت تترك ملابسها على الكرسي أو السرير .أي أنّها لا تراكم ملابسها أو بما هو معروف بـPiling up. فكّرت حينها في ذلك الكرسي القابع في غرفة نومي وفي ملابسي المتراكمة. حسنًا، لقد مضى وقت طويل منذ أن رتبت ملابسي آخر مرّة. لقد كان الموضوع لافتًا وقرّرت بعدها أن أغيّر عادتي. علي أن أعترف أنّه منذ ذلك الحين وأنا أحاول ألّا أترك جبل الملابس على الكرسي أو السرير، ربما خوفاً من أدوية الإكتئاب التي ما زلت أهرب منها حتى اليوم أو خوفًا من أن أسقط في دوامة قديمة خرجت منها بالقوة وبعد سنوات من العلاج.


 

ما يثير انتباهي هو "هل ينتبه الرجال إلى أنّ عدم ترتيب الغرفة هو جزء من الإكتئاب الذي نمرّ به؟ أم هو أمر تناقشه المعالجة النفسية مع الفتيات فقط؟ في الحقيقة، لا أعلم..

جزءُ كبير من كوني امرأة هو أن أكون الفتاة المرتبة النظيفة التي تعطي اهتمامًا كبيرًا لما حولها. هل كانت أمّي لتترك البيت غير مرتّب في لحظات الانهيارات والكآبة؟ هل علمت أنّه من حقها أن تتصرف مع مساحتها وفقًا لمزاجها. هل كانت تملك الوقت لتشعر بالإكتئاب مع 4 أطفال؟ 


 

يعرّف الإنترنت العمل الرعائي على أنّه "رعاية أشـخاص، العمل المنزلي، وأشكالًا أخرى من الأعمال التطوعيّة التي تخدم فيها المرأة المجتمع الأكبر". وحتى الآن لم أفهم إن كان عملًا فعليًّا مدفوع الأجر أو هو واحدًا من مهامي الموروثة كامرأة. ربما هو الموضوع النسوي الذي أفلت منّي. هل نحن نتحدّث هنا عن راهبة في دير أم عن أمّي التي لم يكن لها وقت للاكتئاب أم عن نفسي التي تخاف أن تترك ملابسها مرميّة كي لا تعود لجلسات العلاج النفسي؟ 


 

بعد ساعات من البحث، وصلت إلى بودكاست ييستضيف النسوية لينا أبو حبيب، تشرح خلاله أنّ هناك عملًا رعائيًّا مدفوع الأجر مثلاً كعمل الممرضة وهناك عمل رعائي غير مدفوع، يكون إمّا مباشرًا مثل الإهتمام بالأطفال أو غير مباشر مثل التنظيف. وما يمكنني قوله هنا، هو أنّ بعضًا من العدالة النسوية يتحقق من خلال احتساب العمل الرعائي عملاً حقيقياً، فهو العمل الذي بنى المجتمع وسمح للرجل بأن يعمل ويتطوّر. هذا العمل الذي ما زال حتى يومنا يضع المرأة ضمن قوالب جندريّة معينّة ويمنعها من ممارسة حقوقها في العمل. وهو العمل الأهم في العالم، لكنّه العمل المجاني، خالي الحقوق. هو ذلك العمل الذي لا يحدّه سن تقاعد ولا يشمله code of conduct. إن أردنا أن نقول الأمور كما هي، الرجل غالباً ما يحصل على أجر مقابل أي خدمة يقدمها، لكن المرأة، لم تحصل يوماً على أجر مقابل عملها الرعائي في المنزل. هذا العمل الذي يحدّها وترثه من دون أن تعلم السبب حقاً. والأسوأ أنّه يتمّ تصوير العمل الرعائي بشكل رومانسي، حيث يتمّ اعتبار المرأة من أعظم المخلوقات لأنّها تقدّم هذه الخدمات بالمجان، وبدلاً من أن يغير التاريخ مساره ويلغي هذه الواجبات على المرأة، جعلها تخضع لهذا الموروث لأنّه عمل سامٍ.


 

أتذكر أنّني في سن صغيرة، لم أدر ما يجب أن أجلب لأمّي في عيد الأم، وبما أنّني عشت مع والد غائب لم يعلمني كيف أقدّر أمّي، ذهبت واشتريت لها طقم فناجين قهوة. للأسف، نفسي الصغيرة لم تكن نسوية بما فيه الكفاية. فاعتبرتُ أنّ عمل أمّي يمثلّه فناجين القهوة. كنت لأبكي اليوم لو قام أحد بجلب فناجين قهوة لي كهدية، فأنا أعطي أكثر من ذلك. أنا أرعى غرفتي كي لا أدخل في دوامة الاكتئاب. للأسف، لم يعلمني أحد أنّ وظيفة أمّي ليست الإهتمام بالمنزل، وأنّ الإهتمام بالمنزل ربما منعها من تحقيق أحد أحلامها. ولم يخبرني أحد أنّ ربما أمّي تريد ترك ملابسها على الكرسي وربما هي كئيبة. 


 

اليوم أكتشف معنى العمل الرعائي، وأكتشف أنّني لست جزءًا منه لانّني ببساطة لا يمكنني أن أرعى نفسي. أنا مشغولة أهرب من الإكتئاب وأعمل كي أدفع جزء من أموالي لأمّي كي ترعى نفسها. لا أعلم متى أصبح جزءًا من هذا العمل الرعائي، لكنني أعلم أنّ هناك قوالب جندرية لم تدخل بي وجعلتني من المكتئبات اللواتي لا يمكنهنّ رعاية أي شيء سوى أنفسهنّ. 



 

مدونتنا