أحاول أن أقنع أمّي أنّني أم لقطتين!
كنت قد استقليت عن عائلتي حينما قررت أن "أنجب" قط، أعيش وحدي مع شقيقتي، وأنا عادةً أحب القطط وكان تبني قط هو قرار بالفعل، فلم أجد قطّي عن طريق الخطأ، بل انتظرت حتى تولد قطة صديقتي لأتبنى قط من أولادها.
تبنيت قط أسود وأبيض، وأسميته "أباظة" لأنّه أسود وأبيض، وغنّوج، ويحب البنات، ويشبه الممثلين المصريين الوسيمين. غضبت خالتي منّي حينها واتصلت بي وقالت "تسمين قطّ على اسم أجمل واحد بالعالم". لكن أباظة ليس قطّ، أباظة هو أباظة. على كل حال، مرّت الأيام، وأصبح أباظة مثل ابني، أهتم به، وأخاف عليه، وأشعر تجاهه مشاعر غريبة أربطها غالباً بالأمومة، رغم أنّ شقيقتي تقنعني أنّني الأب في حياة أباظة لأنّني مادية وأحب أن أشتري أغراضه. أحبّ أباظة من قلبي، فهو جعلني أفهم ما يعني أن نحب أولادنا كما هم من دون أن نسقط أنانيتنا عليهم. ربما جاء هذا الشعور لأنّه قط، لا أدري.
منذ فترة قصيرة سألتني أمّي عن رغبتي بالزواج يوماً ما، وقلت لها أنّني لا أطمح لأن أكون أمّ فأنا مشغولة بتربية أباظة، ولا أشعر أنّ هناك حاجة لأن أكون أمّ. صرخت أمّي محاولةً أن تقنعني أنّ القطط ليست مثل الأطفال. لكن هل تفهم أمّي أنّني أحب أباظة أكثر مما تحب عمّتي أولادها. فعمّتي انهارت لأنّ ابنها لم يتمكن أن يصبح مهندساً وسوف تنبذه إن علمت أنّه مثلي. أمّا أباظة، يمكنه أن يكون أي شيء ويفعل ما يريد وٍأبقى أحبّه.
مع هذا كلّه، أتفهم أمي وعمّتي، فأباظة لن يتركني كالأولاد، وسيبقى طفلي المدلل. في أول مرة حاول أباظة الهروب من المنزل لأنّه يريد الزواج، ركضت خلفه على الدرج، وزحفت على الأرض، وضربني وأدخلته المنزل. بقي غاضباً منّي لساعات لا يكلّمني، ويجلس وحيداً. ردت فعلي كانت البكاء لأنّني علمت أنّه بدأ يفقد مشاعر الحبّ، فاتصلت بالطبيب البيطري وطلبت أن أجري له عملية الخصي في اليوم التالي. هل ما فعلته كانت لتفعله أي أمّ غير أنانية لا تملك مشاكل تعلّق؟ كلا! لهذا منذ حينها، اكتشفت أنّني لا أريد أن أصبح أمّ، فأنا لم أتحمل أن يغادرني أباظة ومررت بأسوأ يوم في حياتي، فأنا لا يمكنني قطع الحبل السري كما تسميه طبيبتي النفسية. كان من السهل أن أقطع هذا الحبل عن أمّي، وأنفصل عنها، لكن لا أتخيل أن أقطعه مع أباظة. لذلك، وبعد تفكير جدّي، قررت ألّا أصبح أمّ، فتجربتي مع أباظة جعلتني أكتشف أنّه مجرد طفل، لن يكبر ويستقل عنّي يوم. شعور غريب من الأمومة جعلني أدرك أنّني لست بحاجة إلاّ إلى القطط، فأنا لدي الكثير من المشاكل النفسية التي بطريقة ما أسقطها على أباظة.
لكن أباظة ليس قطّ، فقد أخذ من شخصيتي وشخصية شقيقتي، له تصرفاته، وطريقته بالتواصل والتعامل. تبنيت قطّ آخر بعد فترة اسمه تشارلي، أيضاً لديه شخصيته وتصرفاته. أصبحت تربية تشارلي جزء من حياتي، وهذا ما لا تفهمه أمّي. منذ فترة كنت في إجازة واهتمت أمّي بالقطين، وغضبت منّي لأنّني في كل مرة تتصل بي أسأل عنهما بدلاً من أن أسأل عنها. لكن هذا ليس عن قصد، فأنا ألوم شعور الأمومة الغريب.
أكتفي بأباظة وتشارلي اليوم، وأخاف عليهما، وأحاول أن أؤمن احتياجتهما وأفهم لغتهما وأحلل تصرفاتهما. الغريب في كل هذا أنّ أمّي أنجبت أطفالاً وهي بعمري، ولم تفكر بكل هذا، فأنا كنت أباظة بالنسبة لأمّي، أي الأمر الذي تجرب به معنى الأمومة. فرغم حبّي الكبير لأباظة وتشارلي أنا أعترف أنّني أعاملهما كحقل تجارب، اكتشف أمور بشخصيتي ومشاكلي بالتعلّق، ونقص الحنان والحبّ، وكيف أنّ الأمومة ليست العنوان الكبير، فأنا أيضاً أحب أن أكون أبّ لأباظة وتشارلي وربما هذا انعكاس "الدادي إيشوز". على كل حال، اليوم أفهم أنّ الأمومة صعبة، وأنا قررت من قبل أن أبتعد عنها لأسباب شخصياً واليوم أنا أكتفي لأكون أم لقطتين، ربما لاحقاً تمكنت من أن أطور شعور الأمومة هذا وافهمه أكثر. وفي الوقت عينه أنا أشعر مع كل أم تكتشف هذه المشاعر وتفككها مع أولاد حقيقيين، وأتمنى أن تكون الأمور أسهل بالنسبة إليهن.