NO2TA Logo NO2TA Logo
مثالية أجسادنا : حريّة أم محاصرة؟

مثالية أجسادنا : حريّة أم محاصرة؟

لا شك أن  لحظة الوقوف أمام العالم مغرية  يمكن استغلالها لتسليط الضوء على قضايانا ورفع الصوت عاليًا،في حدث ضخم كهذا من الصعب أن يغلق العالم عينيه.تبدو اللحظة مغرية للمطالبة بالعدالة والمساواة، تماماً كما استغلت ملكة جمال البحرين "إيفلين خليفة" وجودها في مسابقة جمال الكون عبر تسليط الضوء على قضايا المرأة العربية هذا العام. ولكن ما تحمله هذه المسابقات من تمييز ضد النساء لا يمكن أن يغفره وشاح كتب عليه عبارات تطالب العالم بالعدالة لنا. لا يمكن أن نطالب بالتغيير ولا زلن نسمح بأن يتم تقييمنا على أساس المظهر و الطول والوزن وتناسق الوجه ونحالة الخصر.

تتوج المرأة ملكةً لجمال الكون وفقاً لمعايير تحددها الهيئة التابعة لإدارة المسابقة الكونية .ثم تدخل المؤتمرات وتقدم النصائح للنساء والفتيات بأن يكنّ أنفسهن وأن لا يخضعن للمعايير الجمالية التي يضعها المجتمع,المجتمع ذاته الذي توّجها ملكة علينا جميعاً. قد تحمل الملكة برنامجاً اجتماعياً خيرياً تقدمه لخدمة فئة معينة بعد فوزها بالعرش لكن ما تتركه خلف لحظة التتويج يبقى عالقاً إلى الأبد ليس فقط في ذاكرتها بل في ذهن غالبية النساء اللواتي يتم اقصائهن  عن "عرش الجمال" لعدم توافقهن مع المعايير الموضوعة. 

 يعتمد الترشّح لملكة الجمال على عدّة معايير ، وهي أنه يجب أنْ تكون "أنثى" وأن يتراوح عمرها ما بين 18-35 عامًا عند حلول موعد المسابقة.يجب ألّا تكون مُتزوّجة أو حاملًا في الوقت الراهن ويجب أنْ تُتقن التحدّث باللغة الإنجليزية إتقانًا جيّدًا وألّا تكون محكومة بأي جنحة أو جناية أو تكون عارضة لأي مادة إباحية أو جنسية صريحة، ويجب أنْ تكون صحتها الجسدية والعقلية جيدة وغير مُصابة بوقت الترشح بمرض معدي. كما يجب عليها الالتزام بجميع شروط وقواعد المسابقة في حال قُبِل طلبها.أقيمت أول مسابقة جمال في العالم عام 1851 م ليصبح تقليداً سنوياً وحدثاً ضخماً ترافقه الكثير من التحضيرات وتُنفق لأجله الكثير من الأموال، تقوم المشاركات باستعراض أجسادهن في ملابس السباحة وفساتين السهرة، أمام الحضور واللجنة من أجل تقييمهن. ثم على الهامش يتم إضافة بضعة الأسئلة الثقافية مثل : ما الذي يُميّزكِ عن باقي الفتيات المترشحات لهذا اللقب؟ ما الذي يجعلنا نختاركِ من بين المُتسابقات الأخريات لتفوزي بلقب ملكة الجمال؟ ماذا ستفعلين إذا تُوّجتِ باللّقب؟ ماذا تفعلين لو كنت في موقع السلطة؟  وجملتين أو أكثر عن السلام العالمي والاحتباس الحراري لتبرئة المسابقة وانقاذها من وصمة تسليع المرأة التي رافقتها منذ انطلاقتها. فهل يفلح ذلك؟ 

تنطلق المسابقات المحلية, تتنافس المشاركات من مختلف المناطق تفوز إحداهن فيتم تقديمها لتنافس فتيات أخريات على مستوى العالم, ومسابقة أخرى على مستوى الكون "ملكة جمال الكون" رغم عدم وجود متنافسات من كواكب أخرى, ترسل إبنة البلد إلى مسرح العالم ويتم الترويج لمشاركتها على أنه حدث كبير في البلاد يجب أن نفخر به جميعاً! لماذا يجب أن تفتخر الفتيات بفوز أخرى لأنه تم تقييمها على أنها الأفضل بينهن دون أي مجهود؟ لماذا يتم الترويج لهذا الحدث العظيم ولا يتم الترويج والاحتفال بما يناسب فوز فتيات لبنان  بلقب بطولة غرب آسيا للناشئات في كرة القدم مثلًا؟

في كتابها "الجنس الثاني" ترى سيمون  دو بوفوار أن ليس الجسد بمفهومه البيولوجي هو الذي "يشكل" وعي المرأة به سلبياً أو إيجابياً، بمعنى كمنطلق للحرية أو الحياة المقيدة، بل كيفية استجابتها له . بين الفلسفة الوجودية والفكر النسوي تعتقد دو بوفوار  أن الجسد يمكن أن يصبح وسيلة للعبور نحو الحرية ويمكن أن يتحول إلى "شرك". حيث تستخدمه السلطة الأبوية التي تحكم منصات الإعلام والاعلان والأزياء وشركات صناعة الجمال في تسليع  وتنميط أجسادنا وترسيخ الصورة المثالية للجسد. تلخص مسابقات الجمال الدور اليومي  الذي اضطرت جميع النساء إلى لعبه قمعاً, فيتم الحكم  على المرأة ومظهرها وكأنها  عينة فيزيائية أو  maniquen لعرض الملابس والماكياج على واجهات المحلات. بالطبع لا يمكن القول أنه يتم إجبار النساء على التقديم للمشاركة في هذه المسابقات لكن أسلوب الترويج للفوز بالمثالية  والقولبة التي يستخدمها المجتمع عبر تصنيفهن و إقناعهن بالفوز بلقب وفقاً لمعاييره يجعل من النساء وسيلة وغاية في آن واحد  لتدمير بعضهن الآخر, ليس هذا فقط بل تدمير أنفسهن عبر الانتقال من مسابقة إلى أخرى من أجل الحصول على علامة أعلى ولقب جديد ثم السعي طيلة حياتهن  للحفاظ على  اللقب أو على الأقل البقاء في الصدارة. 

وتعتقد الناشطة والصحافية  نعومي وولف في  أنه بعد "الموجة الثانية" من الحركة النسوية، ازداد الضغط على النساء للتوافق مع المعايير الجمالية، مما يعكس رد فعل عنيفًا ضد تقدم المرأة وزيادة القوة في أماكن العمل والمجالات الأخرى. "معيار الجمال الإلزامي" أو “prescriptive beauty norm" ، هو مصطلح يصف هذه الظاهرة الاجتماعية ، حيث تشعر النساء بالضغط الاجتماعي للسعي خلف الجمال والمثالية  بشكل جنوني. وقد عبّرت الكاتبة بالقول "المزيد من النساء يمتلكن المال والسلطة والفرص والإعتراف القانوني، أكثر بكثير من ذي قبل، لكن في ما يخصّ شعورنا تجاه أجسادنا، قد نكون في حالٍ أسوأ من جداتنا غير المُحرّرات".

تتعدد مسابقات الجمال من حيث الأشكال والأسماء، فبالإضافة إلى مسابقات الجمال المحلية وملكة جمال العالم هناك أيضاً من ينظم مسابقات تطال المراهقين  والمراهقات والأطفال حتى,تخيل\ي!   بالطبع  وصلتكم ذات مرة دعوة من إحدى الصديقات أو الأقارب للإعجاب بصورة طفلها أو طفلتها على فيسبوك بهدف الفوز   بـمسابقة "أجمل طفل على فيسبوك". نبذل قصارى جهدنا لحماية أطفالنا، نحاول رفع معنوياتهم\ن باستمرار عندما يشعرون\يشعرن "بأقل من" أو بالإحباط، ثم ماذا؟ نرشحهم لمسابقة الملك\ة.ومع ذلك فإننا نتفاجأ عندما يصبن بعقدة النقص أو أسوأ ، اضطراب الأكل أو محاولة إيذاء الذات لأنهن دائمًا ما يشعرن أنهن ليسن كافيات. هذه المسابقات ترسخ في أذهان الأطفال أن المظهر هو صفة ذات أهمية ، وأنها تستحق الفوز أكثر من العوامل الجوهرية. فإن تعليمهم التركيز كثيرًا على مظهرهم يمكن أن يضرهم بشكل كبير عندما يكبرون. المظهر ليس سمة لتعليم أطفالك قيمتهم. سيكون لديهم ما يكفي من عدم الثقة بالنفس والقلق بشأن مظهرهم للتعامل معه مع تقدمهم في السن.

تعاني النساء طيلة حياتهن للحصول على الأفضل, وهذا ما تسعى إليه الشركات وملاك عالم التجميل والأزياء,عبر الترويج إلى أن الجسد والوجه المثالي يؤمنان السعادة للمرأة, من قال أننا نحن النساء نضحك حين نتناول السلطة؟ من قال أن عمليات النحت والتجميل والتشبه بآل كاردشيان سيشتري لنا سعادتنا؟ الأمر بات جنونياً الأرقام التي توصل إليها التقرير  الصادر عن "الجمعية الدولية لجراحة التجميل"،حوالي 11.36 مليون عملية جراحية تجميلية خلال عام 2019.  فإن هذا العدد يمثل زيادة بنسبة 7.1 في المئة عن عام 2018، وزيادة بنسبة 20.6 في المئة عن عام 2015، كما وثق التقرير نحو 13.6 مليون إجراء تجميلي -غير جراحي- آخر حول العالم في عام 2019.

مقالاتنا