تأثير الحركة النسوية على استوديو ديزني
تأثير الحركة النسوية على استوديو ديزني
تتبّع أثر الفكر النسوي على مجالات مثل صناعة الأفلام والترفيه، يظهر التأثير الكبير التي أحدثه نضال آلاف النساء، كما يثبت تكلفة تغيير أفكارٍ رسّختها العديد من الأفلام، كمشاهدة الأطفال لساعة ونصف من فيلم ساندريلا!
اكتسحت أفلام ديزني منذ ثلاثينيات القرن الماضي منازل العائلات حول العالم. يحضر أٌمراؤها وأميراتها بشكل أساسي في ذكريات مئات الأجيال. وأوّل ما يخطر لنا حول فيلم من إنتاج استوديو ديزني، هو فتاة جميلة، تتعرض لظرف صعب ويتوجب على الأمير إنقاذها. على مدار حوالي قرنٍ كامل، نقلت هذه الأفلام قوالب نمطية للعلاقات ولقّنتها للأطفال، فتحولت قصة الفتاة الضعيفة التي تنتظر الأمير المنقذ إلى نموذج العلاقات السائد والذي تطمح إليه الصغيرات في كل مكان.
الموجة النسوية الأولى – فتيات في قوالب نمطية
أثّرت الحركة النسوية بشكل مباشر على استوديو ديزني ودفعته لعددٍ من التغييرات خلال العقود الماضية، فظهرت تبدلات في أشكال الشخصيات وسلوكها وأهدافها. ويمكن تقسيم تغييرات أفلام الرسوم المتحركة تبعاً للمراحل التي مرت بها الحركة النسوية كالتالي:
امتدت الموجة النسوية الأولى ما بين (1848 – 1920)، حيث أصدرت ديزني أول فيلم رسوم متحركة عام 1937 والذي حمل عنوان "سنو وايت والأقزام السبعة". يروي الفيلم قصة بياض الثلج التي تهرب من زوجة والدها الشريرة وتعيش مع سبعة رجال وتعمل على خدمتهم وتظهر كفتاة ماهرة في كل الأعمال المنزلية، بينما يذهب الأقزام إلى العمل، وأصبحت مهامها المنزلية ورعايتها للرجال السبعة جزءًا أساسياً من هويتها بانتظار قدوم المخلص وهو ما فعلته بشكل جيد. الأمر نفسه ينطبق على فيلم "سندريلا" عام 1950.
هذه الأنماط الجندرية هي خلاصة يقلدها الأطفال.وهكذا غدا انتظار فارس الأحلام الثري والمنقذ والجميل وذو المكانة الإجتماعية والمهنية العالية، طموحاً سائداً وطبيعياً ومحقاً في المجتمعات التي تدفع فتياتها للإيمان أن الزواج هو جزء أساسي من هوياتهن. وإعتقدت الفتيات أن عليهنّ التفاني في الأعمال المنزلية بانتظار الفارس القادم على حصانٍ أبيض.
الموجة النسوية الثانية – فتيات ينتفضن
مع تطور الفكر النسوي والانتباه لخطورة ما يتلقاه الأطفال من خلال الأفلام الكرتونيّة. أثّرت الموجة النسوية الثانية (1963 – 1980) على المنتجين في ديزني، حيث بدأ استديو الإنتاج العملاق بخلق تعديلات في القصص والشخصيات. وقد برز في هذه المرحلة مجموعة من الأفلام التي حاولت مجاراة الفكر النسوي، أبرزها هو فيلم حورية البحر الصغيرة (1989)، تدور القصة حول أرييل، حورية البحر الصغيرة، التي تمتلك الرغبة في المغامرة واستكشاف ما هو خارج البحر وهو ما يحتاج قدراً كبيرًا من الشجاعة، تبديه آرييل. لكن الفيلم لا يكمل بهذه الطريقة، ليعود إلى الفكرة الأولى، وهي الاحتياج العاطفي الحتمي للبطلة وتخلّيها عن طبيعتها سعياً للبقاء مع الأمير. تراهن آرييل على صوتها الجميل وخسارة زعنفتها مقابل حصولها على أقدام لتكون قرب الأمير. ينطبق الأمر ذاته على الأميرة والوحش، (1985). بيل هي بطلة شغوفة بالقراءة، تتحدث عن رأيها وتتصرف بشجاعة لإنقاذ والدها، لكنها تتحول في النهاية إلى شخصية تابعة، مهمتها إعادة الأمير إلى إنسانيته وهي مهمة كانت شبه مستحيلة!
رغم تعديلات ديزني الطفيفة، استمرَّ التحيز ضد الفتيات بالظهور بطريقة غير مباشرة، إذ تتمحور أفلام هذه المرحلة حول البطلة التي تسعى إلى التحرّر من المجتمع، لكن في النهاية تعتمد سعادتها على عودتها للدور المتوقع من المرأة سواء كانت أميرة مطيعة أو زوجة خاضعة.
كانت شخصيات مثل حورية البحر والجميلة والوحش مختلفات عن الشخصيات النسوية السابقة في أفلام ديزني، إذ كانتا فتاتان متمردتان تتوقان إلى الحرية، وتريدان التعبير عن نفسيهما. لكن بقي الهدف الأساسي وحبكة القصة تدوران حول الحب والأمير المنقذ والزواج.
الموجة النسوية الثالثة – نساء يدعمن بعضهن البعض
بدأت الموجة النسوية الثالثة منذ بداية تسعينات القرن العشرين ومازالت مستمرة حتى الآن، وتوسع معه مفهوم العدالة ليشمل جميع النساء من جميع الطبقات والانتماءات. على صعيد أفلام الكرتون كان فيلم بوكاهانتس (1995) تجسيداً لرؤية الموجة النسوية الثالثة. تمتلك بوكاهنتس شخصية قوية كما أنها رياضية ولم تكن تحمل معايير الجمال المعتادة. تحسينات استوديو ديزني ظهرت جلياً في فيلم مولان عام 1998، إذ كانت البطلة صينية أي لا تنتمي للعرق الأبيض كما أنها رفضت القيود التقليدية في مجتمعها والتي تفرض على الفتيات الزواج والبقاء في المنزل، اختارت مولان الانضمام للجيش بدل والدها.
من جهة أخرى عملت ديزني على تعديل نسخ قديمة من أفلامها وتعديل في السيناريو وتركيبة الشخصيات، هذا التعديل هو نتيجة حتمية لتغيرات حقيقية على أرض الواقع، فلم تعد الأميرة التي تنتظر أميراً ينقذها أمراً مقنعاً في عصر تنقذ الفتيات أنفسهن بأنفسهن، ولم يعد محور حياة الفتاة هو الرجل، على العكس بدأ يظهر توجه يتخلى فيه المنتجون عن موضوع الحب كقيمة للعمل. في فيلم مجمد (2013) عدل الاستديو على القصة الأساسية فبات لدينا أختين هما الأميرتان إلسا وآنا، اللتين تختبران الخوف والحب والمواجهة والقوة، تعيد هذه الأفلام سردية العلاقات بين النساء بشكل خاص، فلا يتنافسن للحصول على الأمير، على العكس تدعم إحداهما الأخرى لاكتشاف الحب والحياة، إنها أفلام لا تسعى فيها المرأة العجوز للتخلص من الفتاة الشابة. من جهة أخرى يظهر اهتمام المنتجين بقضايا الأطفال النفسية والتنشئة من خلال أفلام مثل Encanto (2021) وTurning Red (2022) والتي تتحدث عن الصدمات بين الأجيال والعلاقات النفسية المركبة بين الكبار والصغار حيث يتعلم الأطفال أنه من المقبول اتخاذ خيارات قد لا ترضي الجميع.
لازال الطريق طويلاً
رغم هذه التغييرات، لا يمكن القول أن استوديو ديزني حقق توازن جندري حقيقي، مازال هناك الكثير من التحديات والأنماط التي تقدم بشكل أتوماتيكي، في دراسة نشرها موقع Advances in Social Sciences Research Journal (ASSRJ)، والتي حللت أكثر من 150 فيلماً من أفلام الرسوم المتحركة في الفترة ما بين 1990 إلى 2020، أي في الفترة التي جاءت بعد الموجة النسوية الثالثة، أفضت النتائج إلى أن الشخصيات الذكورية لا تزال ممثلة تمثيلاً زائداً في أفلام الرسوم المتحركة للأطفال. غالباً ما يتم تصوير الشخصيات الذكورية في مجموعة متنوعة من الأدوار وبخصائص مختلفة، بما في ذلك دور القادة والأبطال والذين يختبرون مجموعة واسعة من المشاعر كالغضب والسعادة والسيطرة. بالمقابل غالباً ما يتم تصوير الشخصيات النسائية على أنها جميلة، مع ردات فعل أقل، تنحصر في الرعاية ومنح الاهتمام والمحبة، ورغم تقديم الشخصيات النسوية لاحقاً في مجموعة متنوعة من الأدوار والسلوكيات إلا أن اتجاه التمثيل الناقص للشخصيات النسائية الرئيسية والثانوية لا يزال قائماً.
خلصت الدراسة إلى اكتشاف أنماط متعددة من عدم المساواة بين الجنسين تتعلق بأدوار التحدث، والشخصيات الرئيسية، والتصوير الجسدي، والأدوار الاجتماعية، والعلاقات الشخصية، وحتى المبدعين في الأفلام. كان للشخصيات الذكورية ثلاثة أضعاف عدد الأدوار في التحدث بمقابل الشخصيات النسائية وكان لها دور قيادي في 80٪ من الأفلام. في المقابل، كان 80٪ من صانعي الفيلم (الكتاب والمخرجين والمنتجين) من الذكور.