"المرأة رهينة "اختلافاتها
"مهسترة"، كلمة ينعت بها المجتمع أي امرأة تظهر عن أي سلوك لا يرضي الصور النمطية التي وضعها المجتمع على الإناث. فما هو أساس ومصدر هذه الكلمة؟
الجواب القصير هو أن "هستيريا" كلمة من أصل يوناني “hustera” تعني "رحم" وقد استخدمت منذ القرن العشرين قبل المسيح، لتشخيص النساء التي تظهر عوارض كما تقلب المزاج، تقلب الرغبة الجنسية، تقلب في الشهية، انتفاخ البطن، وجع في الصدر، والعقم.
أما إذا كنتِ تبحثين عن جواب أطول، فأول اضطراب نفسي شخصت به النساء كان الهستيريا. وفي الكثير من الأحيان، استخدم لتشخيص حالات أو عوارض تمر بها الإناث ولم يكن لدى الأطباء تفسير طبي لها لدى الذكور أيضًا.
والعلاجات اختلفت من عالِم إلى آخر مع الاتفاق على أن سبب الهستيريا هو تجوّل الرحم من مكانه الأساسي إلى كافة أنحاء جسد المرأة مما يسبب ضغط على أعضاء الجسم الأخرى.
أما لإعادة الرحم إلى مكانه، استخدمت علاجات عديدة منها:
- جعل المرأة تشم روائح كريهة ووضع روائح جميلة في منطقة الرحم الأساسية لدفع الرحم إليها
- تدليك المنطقة التي تؤلمها كالصدر أو البطن لدفع الرحم بعيدًا عنها
- اللجوء إلى عملية استئصال الرحم أو ما يعرف بال hysterectomy
وفقًا للأساطير اليونانية، وحسب العالميين ميلامبوس (Melampus)، أفلاطون وغيرهم، سبب الهستيريا هو حاجة الرحم للممارسة الجنسية. لذلك اعتبروا أن العلاجات قد تكون عبر:
- تدليك الفرج لإيصال المرأة إلى النشوة الجنسية وافراز المواد السامة من جسدها
- الزواج والممارسة الجنسية المتكررة للتخلص من عوارض الهستيريا
بعدها، ظن كثيرون/ات أن الهستيريا هي وجود الشيطان في جسد المرأة لذلك لجأوا لسجن وقتل النساء اللواتي ظهرت عليهن هذه العوارض. أما، في القرن الثامن عشر، ومع ظهور عوارض مشابهة عند محاربين ذكور، بدأ الحديث بأن الهستيريا قد ترتبط بالدماغ بدلاً من الرحم.
عزّز فرويد مبدأ ارتباط الهستيريا وعوارضها بالمواضيع الجنسية حيث اعتبر أن سببها تعرض الانثى للعنف الجنسي ليعود ويتراجع ويربطها بعقدة أوديب والنقص الذي قد تعيش معه الأنثى.
ولم يتم التخلي عن هذا التشخيص إلا في سنة ١٩٨٠عند صدور الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية في نسخته الثالثة أي أن جمعية علم النفس الأمريكية أقرّت أن الهستيريا اضطراب حقيقي في دليلها الأول والثاني. ولكن هل حذف تمامًا؟
التفسير الحالي لهذه العوارض
مع تقدم الدراسات والسعي لفهم الصحة النفسية للأنثى وللحديث عن التمييز الذي تعيشه النساء في العالم، تبين أن الكثير من هذه العوارض لها أسباب جسدية ونفسية وضمها تحت اسم موحد "الهستيريا" كان خطأ.
ويؤكد الطبيب النفسي د. سايد جريج
ذلك قائلاً: "حذفت الهستيريا من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، ولكن تشخيص مشابه تحت مسمى اضطراب الشخصية الهستيرية لا يزال مذكور ولكنه غير محصور بالإناث فقط". أما عن التمييز بين الذكور والإناث في هذا التشخيص، يضيف: “في كل تشخيص لاضطرابات الشخصية إعتبارات كثيرة تعتمد مثل مقارنة سلوكيات ومشاعر الحالة مع غيرها من نفس الجنس في المجتمع.”
ويضيف: "يبقى هناك اختلاف في التشخيص بين طبيب وآخر كما بين ثقافة مجتمع وغيرها. وهذا ما حدث تحديداً في قضية جوني ديب وطليقته آمبر هيرد." وللتونيه، في هذه القضية شخصت أخصائية نفسية آمبر ب اضطراب الشخصية الهستيرية ونكرت أخصائية أخرى هذا التشخيص.
فيبقى السؤال هنا: ما الذي يضمن عدم استخدام هكذا تشخيص سلبيًا؟
الصدمة النفسية
أما عن تفسيرات أخرى، في كتابها " امرأة عند نقطة الصفر"، تعرض نوال السعداوي قصة "فردوس" التي مرت بالكثير من العنف والأذى الذين أوصلوها لظهور الكثير من عوارض ما كان يسمى بالهستيريا وهي بالواقع ضحية صدمات نفسية متكررة منها استئصال البظر والتعرض للعنف الجنسي من صديقها وعمها. فكم من أنثى تعرضت لهذا الأذى في الماضي وقمعت تحت مسمى الهيستيريا؟
صعوبات مرتبطة بالصحة الأنثوية
لم ننته بعد. عند وصف عوارض الهستيريا، الكثير من النساء تظن أنها عوارض مشابهة بعض الشيء بما تشعر به خلال الدورة الشهرية. دراسات حديثة تشارك أهمية فهم وتقبل ما تمر به النساء بسبب الحيض، ولكن يبقى ضروري عدم تعميم الحالة لأن كثر هي الأسباب التي قد تظهر هذه العوارض وتكون مغيّبة من التشخيص.
ومن هنا ضروري الحديث عن الاستخفاف في بعض العوارض مثل عوارض مرض الأنسجة المماثلة لبطانة الرحم أو الأندوميتريوزيس (ما يُعرف في المجتمع ببطانة الرحم المهاجرة) التي في الكثير من الأحيان لا تزال تلاقي النساء حاملات هذا المرض عدم تشخيص أو علاج غير حقيقي.
تختصر الطبيبة شانتي مولينغ المتخصصة في جراحة استئصال مرض الأنسجة المماثلة لبطانة الرحم في فيديو قصير قصص ثلاث نساء زاروا عيادتها وتظهر عليهن أعراض واضحة للمرض ولكن سبق أن أعلمهن أطباء أن أعراضهن (١) سببها نفسي بحت، (٢) هي مجرد أفكار في رأسها، (٣) سببها أن لديها وسواس في المرض.
وتقول سهى وهب، مؤسسة "إندو إن أربيك" وطالبة طب:
"سمعت من أكثر من طبيب وطبيبة أن سبب الوجع الذي أشعر به هو الضغط النفسي". ومن هنا نرى أن هذه التجارب لا تزال موجودة.
وتزيد: “نعم! الضغط النفسي يزيد من حدة العوارض، ولكنه ليس سببها!”
أما عن العوارض التي تعيش معها، ذكرت سهى مجدداً الاستخفاف في الوجع المزمن الّذي تعاني منه وتخبرنا عن زيارة لطبيبة نسائية ظنت أنها ستتعاطف معها أكثر لأنها أنثى مثلها وكان جواب الطبيبة: "لا أجري عملية للإندومتريوزيس إلا في حال عدم القدرة على الإنجاب أو في حال التألم خلال الجماع"." بالإضافة أن لا يزال أطباء كثر يعتبرون أن مع الحمل هذه العوارض تعالج رغم الدراسات التي تنكر ذلك.
وهنا يكمن السؤال الأساسي: هل يختصر دور النساء بالممارسة الجنسية والانجاب؟ ماذا عن الوجع التي تعيشه يوميًا؟و إلى متى ستبقى المرأة رهينة اختلافاتها؟