NO2TA Logo NO2TA Logo
الابتزاز الإلكتروني للنساء في العالم العربي: العنف من أرض الواقع إلى العالم الافتراضي

الابتزاز الإلكتروني للنساء في العالم العربي: العنف من أرض الواقع إلى العالم الافتراضي

تقول سلمى منصور، 24 عامًا، صيدلانية من العراق أنها تعرفت إلى شاب يصغرها بعام، وكانت تعتبره صديقًا إلى أن عرض عليها الارتباط، ولكنها لم تكن مهتمة، إلى أن ضغط عليها بشدة فأذعنت وارتبطت به، وحدث بينهما علاقة جنسية غير كاملة، وتدريجيًا أخذ ينقل صور خاصة لها على هاتفه ولم تستطع منعه.

 كانت علاقة سلمى مُرهقة مبنية على الضغط، وعندما حاولت إنهاؤها أخبرها الشاب "مو بمزاجك، لمن أضوج منك أعوفك" أي أنه سيتركها بعدما يضجر منها، وهددها بشكل صريح أنه سيخبر أهلها إن فكرت في ذلك مرة أخرى "يعرف جيدًا أن هذا ممكن أن يؤدي إلى قتلي" تقول سلمى. 

يعتبر الابتزاز الإلكتروني أحد صور الابتزاز، والذي يحدث عندما يحصل الجاني على منافع مادية أو معنوية من المجني عليه قصرًا، من خلال تهديده بفضح معلومات أو بيانات، ويعتبر الابتزاز إلكترونيًا عندما تتم أركان الجريمة باستخدام أحد عناصر التكنولوجيا  حسب تعريف مسار.

وحسب المؤسسة ذاتها، لا يوجد فرق بين الابتزاز الإلكتروني وغير الإلكتروني سوى أن هناك سهولة في الوصول للبيانات في العالم الرقمي أكثر من العالم الحقيقي وبالتالي تزداد نسب الابتزاز الإلكتروني مقارنة بالابتزاز العادي. 

وتعتبر الفتيات هن الأكثر عرضة للابتزاز في العالم العربي بسبب مجتمعاتنا التي ترى أن المرأة/الفتاة هي العرض والشرف، لذا أي شك في سلوكها يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة مثل الحرمان من التعليم أو العمل أو القتل حسب بيئة الفتاة وخلفيتها الاجتماعية.     

وقد شهدنا في العالم العربي حالات انتحار شهيرة مثل حالة "بسنت خالد" وهي فتاة مصرية ذات 17 عامًا، تم ابتزازها بفبركة صور لها من شخصين من أبناء قريتها فانتحرت بحبة غلة (أحد أنواع السم) وماتت على الفور.

وفي اليمن كانت سارة علوان، وهي ناشطة يمنية تعرضت للابتزاز وكتبت منشور أنها ستنهي حياتها، ولكن تم لحاقها بعد أن انتحرت مباشرة وهي الآن على قيد الحياة، بجانب كثيرات يقتلن أو ينتحرن ولا يسمع عنهن أحد بسبب شعور أهاليهن بالعار والفضيحة.

لا توجد بيانات حقيقية حول عدد الفتيات اللاتي تعرضن للابتزاز الإلكتروني في العالم العربي خاصة أن هذا النوع من الجرائم يصعب الإفصاح عنه من قبل الضحايا خوفًا على أمان الفتيات الشخصي، لكن في مصر مثلًا صرحت مبادرة "قاوم" وهي إحدى المبادرات التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي وتجارب الابتزاز في مصر أنهم يتلقون 700 بلاغ يوميًا، وقد تزيد الحالات إلى 1000 حالة يوميًا حسب مؤسس المبادرة. 

أما في العراق فقد ذكرت رابطة القاضيات العراقيات إحصائيات صرحت فيها أن عدد حالات الابتزاز الإلكتروني في العراق قد بلغت 2452 فقط من يناير إلى مارس 2022. 

وفي اليمن تقول نور خالد وهي أخصائية رقمية في منظمة "يوديت" وهي منصة يمنية تقنية تدافع عن الأمن الرقمي والخصوصية،  لنقطة أنهم يستقبلون في يوديت من 15 إلى 20 حالة ابتزاز يوميًا في اليمن، وهناك حالات لا تبلغ من الأساس، حاليًا أصبح هناك وعي أكبر وبدأت الفتيات بالتبليغ. 

وتشير إلى أن هناك عدة أنواع من الابتزاز منها قضايا مرتبطة بالصحفيات والمجتمع المدني غرضه الانتقام أو التشهير، "وفي هذه الحالات نتدخل نحن ونطلب من ميتا التدخل فيتم غلق الصفحات خاصة عندما تكون الشخصية عامة، التجاوب يكون أسرع" تقول نور.

 وتستكمل أن هناك قضايا متعلقة باستغلال الثغرات الأمنية، أبرزها يأتي من سناب شات لأنه غير محمي تقنيًا ومليء بالثغرات، "يمكننا أن نقول أنه يتم اختراق أكثر من 10 لـ 15 حالة أسبوعيًا على سناب شات، خاصة مع استخدام برامج غير رسمية مثل "سناب شات بلس" تقول نور وتضيف أن هناك قضايا مجتمعية مرتبطة بابتزاز الفتاة من أشخاص تعرفهم فعليًا قد يكون زوجها أو طليقها وهي الأكثر تعقيدًا.

سناء إبراهيم، صحفية مصرية، 35 عامًا، كتبت مقالًا ضد رئيس الحزب الذي تتبعه الجريدة التي تعمل بها، وكانت النتيجة أنها ساهمت في الوقوف ضد رئيس الحزب في الانتخابات مما أدى إلى إقالة مدير الجريدة كذلك، وكانت زوجة المدير زميلة لسناء في العمل أيضًا فقامت هي وابنتها بالتشهير والفضح وابتزاز سناء بطرق عدة، مثل فبركة أخبار عنها وسبها بعرضها وباتهمات كثيرة منها أنها حملت بدون زواج وأجهضت" والآن سناء تخوض في الكثير من التفاصيل القانونية للحصول على حقها.

في حين أن إيمان، 28 عامًا، معلمة من الأردن، كانت على علاقة بشاب مهندس، وكانت تزوره في مكتب عمله الخاص، بدأ الأمر بعلاقة عمل تحولت تدريجيًا إلى علاقة حب، ووعدها الشاب بالزواج، وتدريجيًا بدأت تحدث بينهم علاقات جنسية متكررة غير كاملة.

 حكى هذا الشاب للفتاة أنه في ضائقة مادية ويحتاج مبلغ 1500$ ورغم أن الفتاة لا تملك هذا المبلغ وهو كبير جدًا عليها إلى أنها اقترضت، بكل رضا، من صديقاتها وأعطته المبلغ، ووعدها أن يردهم لها بعد فترة.

بعد فترة اختفى الشاب مرات عدة وبدأت إيمان تشك في هذه العلاقة التي بدأت تفتر من جهته “بعد فترة من الإلحاح والضغط عليه أخبرني أنه لا يحب الالتزام، وبالتالي لن يتزوجني رغم ماحدث بيننا”

 ورغم إحباط إيمان وحزنها الشديد على هذا الحب الضائع، طلبت من الشاب المال الذي أقرضته لها، وبعد مماطلة معها، أخبرها أن كاميرات مكتبه تحفظ تسجيلات لهم سويًا، وإذا طلبت الأموال مرة أخرى سيخبر أهلها.

قررت إيمان الانفصال عن الشاب بشكل نهائي، واختفت بخسارة نقودها، وهي غير قادرة على تقديم شكوى للأمن لأنه قد يتم اتهامها بالعمل في الدعارة، وليس لديها أي دليل أنها أعطت النقود للشاب، كذلك تعيش بخوف شديد من هذه الفيديوهات وهذا الشخص الذي من الممكن أن يظهر لها في أي وقت من حياتها ويهددها بهذه الفيديوهات. 

 لم تجد إيمان وسلمى من يدعمهن أو حتى يمكنهن اللجوء له للتفكير في آليات لمواجهة الموقف، فسلمى مضطرة إلى البقاء في علاقة مجبرة عليها حتى لا يبتزها شريكها، وإيمان تناست أمر نقودها حتى لا يعود لها مبتزها بأي تهديد جديد رغم خوفها المستمر من الفضيحة.

وهذه مشكلة كبيرة تحدث للفتيات، ألا يجدن أشخاص آمنة للتحدث معهن خاصة أن هناك أسباب عدة للابتزاز منها أسباب قد تكون خارج معرفة الفتاة من الأساس مثل الاختراق أو تسريب البيانات بسبب الثغرات الأمنية، وهذا ما حدث مع ثريا الأيهم، 23 عامًا وهي يمنية متزوجة تستخدم نسخة غير مرخصة من البرنامج الشهير "سناب شات" فوجئت بأحد الغرباء يرسل لها رسائل تهديد أن لديه صورها وأرسلها لها بالفعل، وأخبرها أنه سيفضحها إن لم تقابله لعمل علاقة جنسية معه. 

زوج ثريا كان رجلًا متفاهمًا ودعم زوجته التي تواصلت مع منصة يوديت، وتم مسايرة المبتز وسؤاله على المكان الذي يريد أن تذهب إليه ثريا، وبعدما أخبرها بالمكان ذهب إليه زوجها وآخرين وتم ضربه ضربًا مبرحًا حينها وانتهت القصة إلى هذا الحد. 

تختلف طرق التعامل مع المبتزين من دولة لأخرى حتى القوانين، ولكن تظل فكرة الذهاب إلى الشرطة والتبليغ عبئًا كبيرًا على الكثير من الفتيات، وعن طرق التعامل مع المبتزين تقول خالد أنه لا يوجد قانون خاص بالابتزاز في اليمن، وهذا ما يشجع المبتزين على ذلك، لأنه عندما يتم التواصل مع الأمن عادة، من قبلهم، لا يستجيب الأمن لهم من منطق "استر الفضيحة" ووقتها يلجأون إلى المحاسبة الاجتماعية التي تتم بنشر صورة المبتز على منصات التواصل الاجتماعي وغالبًا ما تفلح.

أما في فلسطين حيث تواجه النساء قمع الاحتلال وذكورية المجتمع الفلسطيني تقول منى شتيه مديرة المناصرة بـ"حملة"، وهي مؤسسة حقوق رقمية تعمل على مناصرة الحقوق الرقمية الفلسطينية في تصريح لنقطة، عن تقرير أنتجته "حملة" عام 2018 حول العنف الجندري الرقمي ضد الفلسطينيات، أن واحدة من بين كل ثلاث نساء فلسطينيات تتعرض لعنف مبني على النوع الاجتماعي، لأنها امرأة، كما أن واحدة من بين كل ثلاث نساء معنفات إلكترونياً تغادر منصات التواصل بسبب هذا العنف، مما يعني أن هذه المنصات تتحول إلى منصات ذكورية غير آمنة للنساء.

"آخر عام 2022 عملنا على تقرير آخر لتحديث هذه النتائج وكانت النتيجة أن 28% من النساء المشاركات في الاستطلاع تعرضن لمحاولات اختراق لحساباتهم على مواقع التواصل، بجانب أن 50% من النساء اللاتي تم استطلاعهن يشعرن أنهن مراقبات على حسباتهن" تقول منى وتضيف أن و 40% تعرضن لمضايقات وتعليقات كارهة من أشخاص بعضهن لا يعرفهن، كما أن 33% من هؤلاء لم يتخذن أي إجراء قانوني. 

وتستكمل منى "نشجع النساء دائمًا بدعم أنفسهن والوصول إلى مؤسسات المجتمع المدني والحكي والتبليغ، وكذلك نتحدث عن دور منصات التواصل الاجتماعي بالإجراءات التي تحد من هذا العنف على النساء".

تختلف أسباب الابتزاز الإلكتروني من شخص لآخر، فكما ذكرت نور قد لا يعرف الجاني الضحية من الأساس ومع ذلك يلحق بها الأذى، لكن تتعدد الأسباب مثل الحصول على منفعة مادية أو إلحاق ضرر نفسي أو مادي بالضحية أو الانتقام. 

أحد الأسباب المهمة في فداحة أعباء جريمة الابتزاز الإلكتروني هو اعتماد الجاني دائمًا على خوف وصمت الضحية بجانب عدم وجود أحد ليدعمها أو يساعدها وهذه مشكلة كبيرة وحقيقية، لأنه إذا وجدت الضحايا من يمد لهن يد المساعدة ستقل المشكلة كثيرًا.

تقول اللبنانية فاتن خليفة، أخصائية الصحة النفسية العيادية وعضو الرابطة النفسية الأمريكية لنقطة أن هناك عدم وعي إلكتروني من بعض الأهالي وكيفية حماية أبنائهم خاصة الأطفال، وهذا يؤدي إلى العديد من الجرائم يمكن أن تصل إلى الابتزاز الجنسي. 

ممكن أن يؤثر الابتزاز الإلكتروني للفتيات على الكثير من الأشياء في حياتهن مثل عملهن وحياتهن وعلاقاتهن العاطفية، بجانب ثقتهن في أنفسهن وحالتهن النفسية، أيضًا فقد يحدث لهن الاكتئاب والتوتر واضطراب ما بعد الصدمة كما يمكن أن يجعلهن في حالة من الخوف الدائم، خاصة إذا كانت علاقة الابتزاز طويلة الأمد، وهذا يؤثر على حياتهن المستقبلية في العاطفة وستظل الفتاة خائفة في علاقاتها العاطفية دائمًا، وهذا بالتأكيد يتوجب الحصول على علاج، كما تختلف طرق العلاج من شخص لآخر وحسب كل حالة. الأعراض والاضطرابات تختلف من شخص لآخر. 

وعن دور الأهل والأصدقاء في دعم من يتعرضن للابتزاز تجيب خليفة، أن الأهل والأصدقاء لهم دور كبير في الدعم  "بداية يجب أن تكون هناك علاقة آمنة بين الفتيات مع أهاليهن، ومن الضروري أن يشعر بالأمان، يجب أن يعرض الأهل دائمًا المساعدة إذا لاحظوا أن هناك شيئًا غريبًا، على أبنائهم، خاصة من يقضون ساعات طويلة على الإنترنت، أو يعرضون عليهم الذهاب إلى مختص نفسي إذا لم ترغب الفتاة في التحدث إليهن". 

مقالاتنا