ماذا عن تحديّات الوصول إلى خدمات الصحّة الانجابية في أوقات الحروب؟
منذ بدء الحرب على غزة في 7 أوكتوبر 2023، اندلعت المواجهات على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة وقام جيش الاحتلال بقصف عشوائي على أطراف البلدات اللبنانيّة وقام باستهداف المدنيين ما أدى إلى نزوح 45 ألف شخص من القرى المتاخمة للحدود إلى قرى بعيدة أو إلى مناطق متفرقة في لبنان وفق المنظمة الدولية للمعلومات.
لا شك أن النساء والأطفال هنّ الأكثر تأثراً في حال الحروب والكوارث الطبيعية أيضاً، وفي ظل المواجهات مع العدو الإسرائيلي أُجبرت العديد من النساء الحوامل على اللجوء إلى منازل مكتظّة وتغيير خططهنّ التي وضعنها مسبقاً للولادة ووجدن أنفسهنّ مجبرات على تأمين منزل جديد، تغيير طبيباتهنّ وإيجاد مستشفى آخر لإجراء عمليات الولادة .
"أول سؤال طرحته على نفسي عندما خرجت من منزلي في 10 أوكتوبر، كيف سألد طفلتي في حال طالت الأمور؟ وهل سأرجع بها إلى غرفتها التي جهزتها لها؟"
هذا ما تقوله لنا نرجس (اسم مستعار) التي نزحت من قريتها ميس الجبل إلى بيروت وهي في آخر الشهر الثامن من حملها.
في البداية انتقلت نرجس إلى منزل خالتها في بيروت وعاشت مع حوالي 18 شخصًا في المنزل نفسه وكلهم/ن نازحين/ات:" كنت أتفقد الاخبار يوميًّا و خلال أسبوع اقتنعت أن الأمور ستطول لذا كان عليّ البحث عن طبيبة لي في بيروت وخاصة أن أعراض المغص بدأت تزداد في تلك الفترة وحركة الجنين أيضاً. ذهبت إلى الطبيبة مرتين في تلك الفترة قررت بداية أن ألد في مستشفى في بيروت ولكن لا شك كنت أفضل أن أنجب مع طبيبتي التي تابعت حملي منذ البداية."
لم تستطع أن تتحمل نرجس كلفة استئجار منزل في بيروت لها ولعائلتها للتجهيز لولادتها وهي تشعر بالحد الادنى من الإستقرار خصوصًا في ظل الأوضاع الإقتصاديّة الخانقة. لذلك قررت الرجوع إلى الجنوب ولكن إلى منطقة النبطية واستأجرت منزلاً حيث لا تحدث المواجهات وتابعت حملها لدى طبيبة في المنطقة وأنجبت طفلتها في مستشفى في النبطية.
"كان يبدو لي شبه مستحيل أن ألد طفلتي وأرجع إلى منزل فيه 18 شخص لذلك قررت الذهاب إلى النبطية لست وحدي أيضاً هناك ولكننا كعدد أفراد أقل في المنزل وهذا أفضل."
الولادة كانت طبيعية ولكن كان هناك الكثير من التحديات التي واجهت نرجس إن كان بإيجاد طبيبة جديدة تتابع حملها لديها أو أعراض المغص الكثيرة التي صاحبت تلك الفترة والتعافي من آلام ما بعد الولادة طال أيضاً.
نساء وأطفال ورجال كثر نزحوا من القرى الجنوبية المتاخمة مباشرة للحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، ولا أعداد واضحة عن النساء الحوامل اللواتي سيضطررن أن يلدن في العاصمة بيروت أو في مناطق متفرقة أخرى. مع العلم أن تكاليف الولادة تختلف بين مستشفى وأخرى وعادة في الجنوب اللبناني تكون التكاليف منخفضة أكثر مقارنة بالعاصمة بيروت.
في حديث لموقع نقطة مع الطبيبة علا ضاهر أخصائية الجراحة النسائية تقول أن نساء كثر بدأن يترددن إلى عيادتها في منطقة النبطية للكشف عن حملهن وهن نازحات من مناطق حدودية أمامية ويسكنّ مؤقتاً في هذه المنطقة.
أعراض المغص لدى النساء الحوامل في الشهر الثامن مثلاً لدى المترددات إلى عيادة الطبيبة علا تزايدت منذ بداية الأحداث على الحدود، إضافة إلى تزايد حالات "الولادة المبكرة".
تشرح الطبيبة:" الجلوس أمام التلفاز ومشاهدة الأخبار وأصوات القصف تؤثر بشكل كبير على المرأة وخاصة في الشهور المتقدمة من الحمل ."
كما بحسب الطبيبة علا التوتر والخوف يؤثر حتى على نمو الجنين في رحم الأم لأنه مثلا لا يحصل على الغذاء المطلوب من الأم (طعام وحتى مياه) كما تزيد إحتمالية حدوث نزيف أثناء الولادة وهذا الأمر شهدته غرف الولادة مؤخراً في المنطقة بحسب الطبيبة علا.
عدا عن ذلك أوضحت الطبيبة أن هناك الكثير من النساء الحوامل اللواتي طلبن إجراء عمليات ولادة قيصرية فورية خوفاً من أن يتأزم الوضع أكثر وتصبح المستشفيات مكتظة فيصعب إجراء الولادات.
تقول الطبيبة: "هنا يأتي دورنا في العيادة بتقديم دعم اجتماعي للمرأة لإقناعها بضرورة التروّي في اتخاذ مثل هذه القرارات."
عدم الاستقرار ونزوح المرأة التي أنجبت حديثاً يؤخر "التعافي" من عمليات الولادة وخاصة في حال الولادة القيصرية. تقول الطبيبة أن حالات التهابات الجروح تزيد مثلاً لأن المرأة النازحة لن تريح نفسها كما هو مطلوب بعد الولادة بسبب عدم الاستقرار في المنزل ووجود عدد كبير من الأشخاص في منزل واحد، وهي مجبورة أن تعتني مثلا بأطفالها وعائلتها والقيام بأعمال منزلية ترهقها.
وهناك العديد من النساء ترددن إلى العيادة وهن يعانين من هذه الأمور هي "مضاعفات صحية" ما بعد الولادة . كما أن الآلام قد تبقى لفترة طويلة بسبب التوتر المستمر وسماع أصوات القصف.
وأعراض فترة "النفاس" تتفاقم ولا سيما "الاكتئاب ما بعد الولادة" لأن الأم لن تكون موجودة في منزلها وغرفة الطفل التي جهزتها له مثلاً وهي لا تشعر بالأمان كما يجب.
مع النساء الحوامل النازحات من القرى الحدودية يوجد النساء اللواتي يعشن في مدارس منطقة صور التي فتحت أبوابها للنازحين من مناطق جنوبية كالضهيرة وغيرها.
فماذا لو بدأت فترة الحيض لدى المرأة وهي تعيش في مدرسة، يقطنها نازحين آخرين وعدد الحمامات فيها محدود؟
تقول لنا إحدى السيدات اللواتي نزحن إلى مدرسة في منطقة صور لمدة أسبوعين أن دورة ابنتها الشهرية بدأت بعد يومين تقريباً من وصولها للمدرسة.
"المشكلة لم تكن أبداً في تأمين مستلزمات الحيض بل هي بإيجاد الحمام المناسب والنظيف، وخلال تلك الفترة أصيبت ابنتي بالتهابات طفيفة في جهاز البول والسبب كان عدوى التقطتها في الحمامات ."
مكثت السيدة مدة أسبوعين فقط في المدرسة مع عائلتها وبعدها انتقلت إلى منزل في منطقة صور تبرّع فيه أحد الأشخاص لتمكث فيه إلى أن تهدأ الأوضاع في الجنوب اللبناني.
تبعا للدراسات الطبيّة، فإنّ النساء هنّ الأكثر عرضة لالتقاط التهابات جهاز البول، كما تزيد احتمالية التقاط التهابات وفطريات في حال عدم توفر بيئة نظيفة للمرأة خلال فترة الحيض.
وبحسب الطبيبة علا إلى حد الآن، فإنّ النساء الحوامل هن الأكثر تضرراً خلال فترة النزوح ولكن فكرة الحيض والالتهابات لا يزال خطرها محدود نسبيًّا كونه لا يزال هناك قدرة في الوصول إلى المستلزمات اللازمة من صابون معقم مثلاً و فوط صحية ولكن لا شك أن الأماكن الغير النظيفة قد تزيد من هذه الحالات."