قبل "الحب" نريد تأميناً على صحتنا النفسية !
أغلبنا يبحث عن الحب في الأماكن الجديدة ماذا لو كان هذا المكان العاصمة "بيروت". كل شيء كان يشبه الأفلام منذ اليوم الأوّل، تحزم أمتعتك وتحمل معك كل ما تحب وما تكره أيضاً، فمن الصعب التخلّص من الأشياء القديمة تلك التي عاشت معك في حلوك ومرّك.. فماذا لو كانت تلك الأشياء كل ما حملته من مشاعر لسنوات.. القبلة الأولى والعناق الأول والكثير من الألم والخذلان.
لا ينتهي الحب في بلادنا لكنه يأخذ أشكالاً عدة ويختلف بحسب المكان الذي يولد فيه. ربما القاسم المشترك الوحيد هو الخوف من الخسارة و انكسار قلبك في كليهما. حين تركت القرية كنت قد أنهيت علاقتي العاطفية الأخيرة منذ أشهر, مرّت أربع سنوات منذ المرة الأخيرة التي قلت فيها "أحبك" لأحد، وهذا لا يعني أنني لم أقع في الحب بعدها. في الحقيقة، حصل ذلك عدة مرات لكن دون أي جدوى ، كُسر قلبي في الأولى والثانية والثالثة،حتى أيقنت أن لا حب ينمو في هذه المدينة. تركت القرية فتاة تبحث عن الحب لكن هذه المرة كنت فتاة أخرى لو قابلها ابن الحيّ المجاور لخاف أن يكسر قلبها وفي الوقت ذاته كان من السهل أن يكسره ابن المدينة. في بيروت كانت قواعد اللعبة مختلفة و كثيرة وغير واضحة, تختلف مسميات العلاقات هنا وهي أنواع، أما أنا فجئت لا أطلب سوى الحب. هنا في الموعد الأول يقدم لك الشريك المحتمل "مانيو العلاقات"، وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن ذكر بعضها: العلاقة المفتوحة،أصدقاء بمنافع، علاقة بدون مسمى أو علاقة جدية ، وهنا لا تحدث الأخيرة إلا "كل سنة مرة".
أول رجل التقيته هنا
لم يكن "نوعي المفضل"،لكني خرجت من غرفتي بعد أشهر من انتقالي إلى بيروت بفضله، حسناً أردت أن أعرف عنه أكثر، صرت أزور المقهى الذي يرتاده كل يوم، بدا مهتماً خاصة بعد القبلة الأولى بيننا، تلك التي لا تعني الكثير هنا، لا تؤخذ على محمل الجد ويتم تجاهلها في اليوم التالي، لم أمتلك الخبرة الكافية للتعامل مع الحدث الجلل، "friends with benefits" على الأغلب هذا ما كان يرمي إليه صديقنا، بكيت عندما سمعت المصطلح هذا للمرة الأولى، فأنا أردت أكثر، ما لم يكن باستطاعتي حتى مناقشته معه، وبقي ما أرغب به سراً حملته معي إلى صديقتي "مها" لأشكو لها "الفوضى" التي أدخلني فيها، كان رد "مها" شعاراً أحمله معي كلّما أغادر حياة أحدهم وكل ما أردت أن أسدي نصيحة لصديق\ة، " عندما تشعرين أنّك مقموعة وغير قادرة على التعبير عن مشاعرك، غادري العلاقة" هذا ما قالت"مها" قبل أن تغادر إلى تركيا. وبالفعل كنت أغادر في كل مرة تُقمع بها مشاعري لكن بعد فوات الأوان، لا أغادر إلا بعد أن يُكسر قلبي.
عدت إلى قوقعتي، وأنا أسأل إن كنت مخطئة وعليَ التطبيع مع المفهوم الجديد للعلاقات هنا، سألت نفسي أكثر من مرة، من المخطئ ؟ أنا أم هو؟ ربما كلانا على حق فلكل منا الحق بالعرض والطلب والرفض، لكن لماذا يريد أحدهم أن نكون أصدقاء ثم يدخلني في متاهة المشاعر المتناقضة "mixed feelings" ، ومنعاً للغرق في عقدة الذنب كان عليَ أن أتحدث مع صديقاتي للغوص أكثر في فشلي بالعلاقات، من يسمع تلك المحادثات سيطلق عليها "فشل جماعي" والمشكلة ليست هنا، في تلك الجلسة التي نجلد فيها أنفسنا بسبب أخطاء الآخرين. "يمكن معه حق أنا عنجد نكدية ومش مضطر يتحمل اكتئابي!" تقول رنا، أجيبها "بس هو من الأول بيعرف إنك بتعاني من اكتئاب مزمن وقرر يفوت بالعلاقة !". رنا ليست الوحيدة التي تحارب الاكتئاب والحب في آنٍ واحد. ذات مرة نصحني صديقي المقرب ألا أخبر الشاب الذي كنت أواعده أنني أعاني من اضطراب ثنائي القطب كي لا "يطفش"، أي يهرب. يحقّ لنا جميعاً أن نحصل على الحب وأن لا نحمل ذنب اضطراباتنا وأن لا يأتي من يضاعفها!
لا يمكن حصر كل تجاربنا وتجارب الأخريات في مقالٍ واحدٍ، فهذا يحتاج الكثير لتفكيك علاقتنا مع أنفسنا ثم مع الآخرين، لكن لا بأس بالغوص في بعضها . لا تبحث النساء عن العلاقة المثالية، لكن على الأقل نبحث عن الخروج من علاقاتنا بأقل الخسائر. أن لا نجبر على تقمص شخصيات النساء الأخريات اللواتي يتم استبدالنا بهن فجأة فننسى أنفسنا، أعرف من قصت شعرها كي تشبه من خانها حبيبها معها، وأعرف كثيرات خضن معارك الكراهية فيما بينهن كان بطلها رجل كاذب ومتلاعب. وأعرف أيضاً كيف تنسى النساء كيف يبدو وجهها في المرآة بسبب ما يتعرضن له من إهانة وتهميش وعنف لفظي في علاقاتهن.
كانت أفلام الرسوم المتحركة والقصص الخيالية التي شاهدها الكثير منا عندما كنا أطفالًا محصورة بفتاة تعيش محنة ما، ينقذها الأمير وتعيش في سبات ونبات. هنا أحدث بعضنا تغيراً كبيراً وحصلنا على استقلاليتنا، حتى أصبحنا ننظر إلى الشريك على أنه قيمة مضافة إلى حياتنا لكن ذلك لم يرضِ البعض، فقد يشعر بعض الرجال بالحاجة إلى السيطرة في العلاقة، وأن يشعروا أن الفضل لهم بكل شيء وأننا نحتاجهم ، كي لا تختلّ موازين القوى المجتمعية. وقد تم تقديم النساء تاريخياً على أنهنّ العنصر الأضعف،ويجب أن تعتمد على الرجل في كل خطوة تقدمها في حياتها، فماذا لو كان هذا الرجل شريك امرأة يمكنها أن تتقدم دون مساعدته وماذا لو لم يكن خلف كل امرأة أحدًا بل نفسها.. قد شاركت نور (إسم مستعار) إحدى النساء تجربتها حين سألت على صفحتي الخاصة على تطبيق انستاغرام عن رأي النساء بالعلاقات في المدينة ،بأن شريكها ورغم انفتاحه ورغم أنه يدعي أنه "نسوي" كانت تخنقه فكرة أنها لا تحتاجه و"كان يستمر في "التبخيس " تقليل من قيمة -كل ما أفعله كي تبقى ثقتي بنفسي مهتزة." هجرت نور صديقها بعد علاقة دامت لسنوات من العنف النفسي وأول خروج لها من المنزل بعد أسبوع من الإنفصال كان إلى العيادة النفسية لتبدأ رحلة جديدة مع العلاج بعد العلاقة السامَة. نضحك في ما بيننا أنا وصديقاتي ونقول أنه في العلاقة القادمة يجب أن يدفع الشريك تأمينًا لتغطية تكلفة العلاج النفسي الذي سنحتاجه بعد إنهاء العلاقة، وإذ كانت نهاية سعيدة أو على الأقل سليمة يمكنه استرجاع أمواله، وهذه نكاتنا التي حصدناها بعد تجاربنا السيئة التي ضاعفت صدماتنا العاطفية.
لا نقول أن الرجل هو الطرف السيء دائماً في العلاقة, جميعنا نخطئ لكن الذكورية تدخل في علاقتنا العابرة منها والجدية، فلا يجب أن تقبل سمر بضرب حبيبها لها لأنه "عصبي مرات،بعدين بروق بس بيحبني", ولا يجب أن تُستغل مشاعر رشا العاطفية لأغراض جنسية ويجب التطبيع مع مفهوم "طلب الموافقة" في جميع المواقف وأن تُسمع لاءات النساء دائماً، وربما نتخلص نهائياً من عبارة "يتمنعن وهن راغبات" إلى الأبد.