NO2TA Logo NO2TA Logo
تحالف النصوص ضد حيوات النساء... لأجل ذلك قُتلت كثيرات!

تحالف النصوص ضد حيوات النساء... لأجل ذلك قُتلت كثيرات!

قُتلت نيرة أشرف أمام جامعتها في المنصورة، وقتلت بعدها بأيام سلمى بهجت أمام جامعتها أيضاً. والسبب واحد، أنهما رفضتا الزواج من أحدهم فسمح هذا الأخير بإنهاء حياة الفتاة التي قالت له ببساطة "لا أريدك". هذه الـ"لا أريد" كانت سبباً في تعريض الكثير من النساء العربيات للعنف الذي قد يصل إلى القتل، ويحصل القاتل في معظم الأحيان على دعم اجتماعي وديني وقانوني ويسهل قلب الأدوار واعتبار المجني عليها مذنبة، ويصار إلى تلفيق الأخبار عنها باعتبار أنها تستحق القتل. هذه الـ"أريد" أو الـ"لا أريد" بصوت النساء، هي تحديداً ما تسعى المجتمعات البطريركية إلى محاربتها، لاستمرار مصادرة حرية النساء وحقوقهن المشروعة. 

37 في المئة من النساء اللائي كان لهن شريك في أي وقت في الماضي في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط قد تعرّضن للعنف الجسدي و/ أو الجنسي من الشريك في مرحلةٍ ما من حياتهن، وفق "منظمة الصحة العالمية".

تشير النسبة التي ما زالت مرتفعة على رغم كل الجهود المبذولة، إلى استمرار أشكال التمييز ضد النساء، واستمرار تكريس العلاقة غير المتوازنة بين الجنسين، داخل الأسرة، في أماكن العمل وفي الأماكن العامّة، واستمرار التشجيع على العنف داخل العلاقات بدعم من النص القانوني والنص الديني في بعض الأحيان. وهو ما يبيح العنف ضد الفئة الأضعف أي النساء، ويشجّع على إنهاء حياة أي امرأة ببساطة، وتبرير الأمر بالدفاع عن "الشرف". علماً أن الكثير من القوانين العربية مستمد من القوانين الفرنسية أو الانكليزية، والتي عدّلتها أو ألغتها الدول الغربية لما تحمله من إقصاء وتهميش للنساء، إلا أن آليات التشريع والتعديل في الدول العربية غالباً ما تحتاج إلى مسار طويل، ينتهي غالباً بتأجيل حقوق النساء إلى يوم آخر، باعتبار أنها ليست أولوية وليست ملحة.

هذه الدساتير والتي ما زال الكثير منها قاصراً وقديماً، تنبع من مصدرين أساسيين: المصدر المدني والمصدر الديني، وبالتالي تتقاسم السطوة على حياة النساء، المؤسسات الرسمية المدنية من جهة، والمؤسسات الدينية من جهة أخرى، لا سيما في قضايا الزواج والطلاق والولاية والميراث، والتي غالباً ما تصب في مصلحة الرجل على حساب المرأة، في غياب قانون مدني يحكم في مثل هذه الحالات.

ويتم الترويج لذلك وتسهيله، عبر حرمان المرأة من التعليم والعمل ومنعها من معرفة حقوقها، لتكريس وظيفتها التقليدية أي الزواج والإنجاب والاعتناء بالمنزل، مقابل تحمّل العنف واللاعدالة في العلاقة مع الرجل، من أب أو أخ أو زوج...

الحقوقية والمحامية السورية رهادة عبدوش توضح لـ"نقطة" أن "النساء يتعرضن للعنف في مختلف مجالات الحياة، ومن ضمن ذلك العنف الأسري والذي يبدأ من الأسرة الصغيرة ومن ثمّ تلك التي تكوّنها المرأة عندما تتزوّج. في طفولتها تُحرم من حقوقها في متابعة تعليمها لرغبة الأهل بأن تستعدّ للزواج باكراً، وبالتالي تحرم من حقها في التعليم وحقها باللعب مع أقرانها، وحرمان الطفل من أي حق من حقوقه هو حرمان لجميع حقوقه بحسب اتفاقية حقوق الطفل".

وتتعرض الفتيات "للتمييز بينها وبين أخيها الذكر وتتم معاملتها على أنها جزء من ملكية الأسرة والأقل شأناً في العائلة، يمكن التحكم في خروجها من المنزل وعلاقاتها بأصدقائها وتعليمها وفي اختياراتها المهنية والعاطفية، وأي مقاومة تعد تحدياً للأسرة، وهو نوع من العنف الممارس ضدها، وهنا لا يوجد ما يحميها في القانون، إذ لا توجد مادة قانونية تحمي الفتاة من عنف الأب أو الأخ، إلا إذا وصل لمرحلة الايذاء الشديد. ولكن رغم ذلك قد لا تستطيع التقدم بشكوى إلى النيابة العامة بسبب الخوف، وردع المجتمع لها ولعدم جدوى ذلك، ففي النهاية لا مكان تأوي اليه ولا قانون يحميها من بطش أهلها". وتتابع عبدوش، "عندما تتزوج الفتاة سوف تعاني من الاساءة ذاتها، لكن من شخص واحد، لذلك قد تلجأ النساء للزواج من أي شخص باعتبار أنّ الاذية ستنحصر بشخص واحد وستستطيع مقاومته. لكن في الحقيقة لن تستطيع مقاومة العنف الزوجي الذي يبيحه الدين ويسكت عنه القانون".

"في الدول العربية عدا لبنان وتونس لا يوجد بند خاص بالعنف الاسري وبالتالي لا قانون يحميها لا من اغتصاب الزوج ولا ضربه ولا من اكراهها على اي فعل يريده". توضح عبدوش.

في المغرب على سبيل المثال، يعتقد 60 في المئة من الرجال أنه يجب على الزوجات تحمل العنف للحفاظ على بقاء الأسرة، ويرتفع الرقم إلى 90 في مصر، وفق دراسة نشرتها هيئة الأمم المتحدة. وفي ما يتعلق بفلسطين، لا تزال نسبة الرجال الذين وافقوا على هذا الرأي عالية حيث بلغت 63 في المئة، بينما انخفضت النسبة في لبنان إلى 26 في المئة، وهي نسبة ما زالت عالية وخطيرة، لا سيما في ظل القصور القانوني المستمر، فحتى الآن لم يتم إقرار قانون يحمي القاصرات من التزويج القسري مثلاً، بدعم من رجال الدين.

في هذا السياق، تشير مديرة البحوث والمعرفة في "برنامج نساء في الأخبار" الأكاديمية المصرية منى مجدي إلى أن لزواج القاصرات "خلفيات وأسباب متعددة لا ترتبط بالدين فقط، إذ له دوافع اقتصادية واجتماعية تسمح للناس بالنظر إليه باعتباره أمراً طبيعياً لا يشكل ضرراً للفرد أو المجتمع. علينا في مقرراتنا التعليمية وبرامجنا الإعلامية أن نتكلم مع الناس ونفكك مفردات الخطاب التي تدعو إلى دعم مثل هذا الزواج، وفي هذه الحالة أرى من الضروري فتح حوار مجتمعي تشارك فيه الأسرة والخبرات والخبيرات في الدين والاجتماع والنفس والاقتصاد لكي يستوعب الجمهور تبعات زواج القاصرات والعواقب الفردية والأسرية التي تترتب عليه، وبيان الفوائد التي يمكنها أن تترتب على عدم الدفع بالصغيرات من الفتيات للإقبال على تلك التجربة التي تحتاج لنضج فكري ونفسي معين". وتشير إلى ضرورة التوعية حول "ارتباط تلك المسألة بارتفاع نسب الطلاق وتشريد الابناء وتعاسة الفتيات وحرمانهن من استكمال مسيرة تعليمية وحياتية".

القوانين لا تكفي وحدها!

ترى عبدوش أن "سن قوانين تحمي النساء لا يكفي وحده، بل نحتاج إلى وسائل داعمة مثل آليات حماية لهن وللأزواج، ليتم تدريبهم وتمكينهم، فالرجل مثل المرأة يعاني من التربية الذكورية التي تؤثر في قراراته وتفكيره، وهي أيضاً مثله قد لا تكون على دراية بالعلاقات الجنسية والأسرية والتي بجب التدريب عليها من خلال المناهج الدراسية والتدريبات المختلفة، ومن الضروري حماية الجنسين معاً من العنف الذي سيؤثر أيضاً في أطفالهم والمجتمع ككل".

تبدو الأزمة الحقيقية والتي ما زالت مستعصية على الحل أن هذه القوانين، يدعمها رجال دين، وبتم التحجج بالأفكار الدينية والاجتماعية الحافظة لتبرير قمع النساء حتى الآن، برغم أن طبيعة المجتمعات تغيرت ومتطلبات الحياة تطوّرت وتبدّلت، وبطبيعة الحال لا بدّ أن تجاري الدساتير الحداثة وواقع الشعوب وتحديداً النساء.

في هذا السياق، ترى مجدي، أن "الكثير من القوانين والتشريعات تحتاج إلى إعادة نظر، وعلى الإعلام أن يقوم بدوره في طرح المسألة للحوار المجتمعي وحث الجمهور على الاشتراك كطرف فاعل في الضغط على المشرع لتحديث بنود القوانين بما يضمن مصلحة الأسرة والمجتمع ككل، علينا ألا نستسلم وأن نعيد طرح الموضوعات المختلفة في ما يتعلق بالعنف الأسري والزوجي، وأن نشجع الرأي العام على تبني تلك القضايا وفتح الملفات، وكذلك التشبيك مع المؤسسات ذات العلاقة على مستوى المجتمع المدني لوضع تلك القضية على أجندة الجمهور بما يضمن تحقيق النتيجة المرجوة".

وتضيف: "النصوص الدينية لها كل الاحترام، ولكن إعادة قراءة تلك النصوص في ظل معطيات العصر الحديث يمثل ضرورة قصوى، فالاستماع لوجهات نظر مختلفة واللجوء لأكثر من خبير وخبيرة يفتح الباب أمام الاجتهاد وإعمال العقل ويدفع بالأشخاص إلى التفكير وإعادة النظر في المعتقدات والآراء التي يعتنقوها، مع التشديد على أن حماية حقوق الإنسان هي الغاية الأسمى".

وفق المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) غادة فتحي والي، كل 11 دقيقة تتعرض امرأة أو فتاة للقتل على يد أحد أفراد أسرتها، في تقرير صدر عن عام 2020، و47 ألف امرأة و فتاة قتلن على أيدي أزواجهن أو أحد أقاربهن في العام ذاته... هذا العالم مكان غير آمن للنساء، ويزداد الأمر سوءاً في مجتمعاتنا التقليدية، التي تعتبر قضايا النساء مجرد "ترّهات" غير مهمة!

مقالاتنا