النساء في الحروب والأزمات والكوارث… قتل وبطالة وتهميش
"تواجه النساء والفتيات في بعض المجتمعات أشكالاً من التمييز والعنف بشكل يومي وذلك بسبب نوع الجنس. ويمكن للمهمات العادية التي تقوم بها النساء حول العالم، على غرار جلب المياه إلى أماكن السكن أو الذهاب إلى المرحاض، أن تعرّضهن لخطر الاغتصاب أو سوء المعاملة.
وتتفاقم هذه المشكلة خلال حالات النزوح. وتمثّل النساء والفتيات حوالى 50 في المئة من أي فئات لاجئة أو نازحة داخلياً أو عديمة الجنسية. وتكون عادة النساء والفتيات
غير المصحوبات أو الحوامل أو معيلات الأسر أو من ذوي الإعاقة أو الكبيرات في السن من الفئات الأشد ضعفاً".
بذلك يمكن اختصار معاناة النساء عموماً لا سيما في البلدان التي تواجه أزمات أو حروباً أو كوارث طبيعية. وهو كلام ورد في تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ينسحب المشهد الكئيب بسهولة ومن دون أي عناء إلى واقع النساء في دولنا العربية وتحديداً تلك التي تعاني من عدم استقرار أو أزمات أو حتى كوارث كمثل الزلزال الذي ضرب شمال سوريا وجنوب تركيا في 6 شباط/ فبراير 2023. فالزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص، بدا شديد القسوة حتى على الناجيات، اللواتي كانت حاجاتهن في آخر قوائم المساعدة والاستجابة.
نساء الزلزال…
يشير صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن من بين الناجين من الزلازل التي ضربت تركيا وسوريا، حوالى 356 ألف امرأة حامل بحاجة ماسة إلى الحصول على خدمات صحة الإنجاب.
أتى ذلك فيما ما زالت سوريا تحديداً تحت وطأة تداعيات الحرب التي كلفت النساء الكثير، إزاء التهجير والاعتقال والاغتصاب وغير ذلك. فقد استخدمن كسلاج بين الأطراف المتنازعة.
في هذا الإطار، تؤكد الصحافية والناشطة النسوية السورية لجين الحاج يوسف لـ"نقطة" أن غياب مفهوم الاستجابة لاحتياجات النساء لم يظهر فجأة بسبب الفوضى عند حدوث الزلزال، إنما هو موجود أصلاً في سياق الاستجابة المحلية للمنظمات الاغاثية طوال السنوات الماضية. وجاءت الاستجابة للزلزال مكملة لما سبق، قد تكون هناك بعض المبادرات النسوية والنداءات التي طالبت بها المنظمات النسوية لتضمين احتياجات النساء ضمن سلل الإغاثة، لكن الواقع أثبت تأخر وصول هذه الاحتياجات وضم أكثر من عائلة في خيمة واحدة، وبالتالي الغاء الخصوصية والمساحة الآمنة للنساء، ناهيك بعدم وجود حمامات خاصة للنساء وغياب الاضاءة للوصول الى الحمامات العامة وغياب المياه النظيفة".
وتابعت الحاج يوسف: "حتى دور العبادة مايزت بين النساء، ورفض بعضها دخول النساء غير المحجبات إلى داخلها، وسمحت للنساء اللواتي في فترة الحيض بالبقاء في منطقة الحمامات. التمييز على أساس الجنس ايضاً كان واضحاً في توزيع المواد الاغاثية والابتزاز الجنسي الذي تعرضت له نساء حتى يتمكن من الوصول إلى المساعدات".
وتلفت إلى أن السوريات يعانين أساساً من التهميش وقد زاد الأمر في الحرب "النساء يستخدمن عادة لتوجيه رسائل اذلال بين الأطراف المتصارعة، وبالتالي هي رسالة فعالة لأن فكرة العيب ونظرية الشرف المرتبط بالنساء للأسف هو المسيطر في عقلية المجتمعات المتخلفة. ولأن السلطة الدينية هي جزء من المنظومة والثالوث المحرم وعلى اعتبارها هي المساهم الأكبر في بناء العلاقات ضمن المجتمعات استفادت من هذه العلاقة لزيادة التحكم في مصير النساء وتضييق الحريات من خلال الرجل التابع لها".
وترى الحاج يوسف أنه "طالما أن النساء خارج صناعة القرار السياسي الذي يناصر حقوق النساء ويساعد على إفساح المجال لحرياتهن، وتعديل القوانين، ستبقى هناك مساحة حرة لمنتهكي حقوق النساء، وستبقى النساء والأطفال، هم الفئة الهشة في الحروب، وتوثيق هذه العمليات من دون وجود رغبة سياسية في محاكمة جادة للمنتهكين لن يحد منها".
العراق… عنف نفسي وجسدي
1.32 مليون شخص (75 في المئة من النساء واليافعات) في العراق معرضون لخطر أشكال مختلفة من العنف القائم على النوع الاجتماعي، مع 77 في المئة من حوادث العنف القائم على النوع الاجتماعي مرتبطة بالعنف المنزلي، وفق تقرير لليونيسيف. وقد زادت حدة العنف خلال جائحة "كورونا"، التي ترافقت مع الاحتجاجات العراقية التي تعرضت خلالها كثيرات للاعتقال والاعتداء وغير ذلك.
وتعاني النساء والفتيات الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي من عواقب وخيمة طويلة الأمد على صحتهن الجسدية والنفسية، ويتعرض بعضهن لإصابات جسدية خطيرة وقد يفقدن حياتهن. وكما في معظم المجتمعات المحافظة، غالباً ما يتم إلقاء اللوم على الناجين ونبذهم من قبل أسرهم ومجتمعاتهم.
مع العلم أن حوالى 150 امرأة تقتل سنوياً في العراق، دفاعاً عما يسمّى "الشرف"، وفق بعض الحقوقيين.
إيران… استهداف طالبات ومتظاهرات
مقتل مهسا أميني أشعل الشارع الإيراني، وطافت تظاهرات في الكثير من المدن العراقية ضد فرض الحجاب ومن أجل تحسين الأوضاع المعيشية. وقد قابلت السلطات ذلك بالاستهداف والقتل وبالفعل قتل كثيرون بينهم عدد كبير من النساء. وعلى خلفية الاحتجاجات، أعلن القضاء الإيراني إصدار 18 حكماً بالإعدام، تم تنفيذ أربعة منها، وصادقت المحكمة العليا على حكمين آخرين.
وقد كشف تحقيق أجرته "بي بي سي"، أن ما لا يقل عن 650 تلميذة تعرضن للتسمم في إيران، إذ اعترف مسؤول حكومي كبير أخيراً أن مئات الفتيات "استهدفن عمداً".
وعلى الرغم من أنه لم تقضِ أي فتاة نحبها جراء التسمم، إلا أن العشرات قد نقلن إلى المستشفى بسبب مشاكل في التنفس وغثيان ودوار وإرهاق.
ووفق تقرير نشره موقع "وايرد" المتخصص بالتكنولوجيا تقوم أجهزة الأمن الإيرانية باعتقال النساء حتى بعد عدة أيام من مخالفتهن لقواعد اللباس، حيث يجري تتبعهن ورصدهن باستخدام تكنولوجيا التعرف على الوجه الصينية المنشأ، ليصار إلى اعتقالهن.
لبنان… تمييز جندري وطرد من العمل
توقعت ورقة بحثية للأمم المتحدة، أن يكون انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 25 في المئة من عام 2017 إلى عام 2020 قد أدى إلى زيادة معدل بطالة المرأة من 14.3 في المئة قبل الأزمة إلى 26 في المائة حتى أيلول/ سبتمبر 2020. وينعكس ذلك في زيادة قدرها 63 في المئة - من81,200 إلى 132,500 - في عدد النساء العاطلات عن العمل، أو ما يعادل 51,300 امرأة إضافية انضمت إلى صفوف البطالة في حزيران/ يونيو 2020 مقارنة بفترة 2018/2019.
وتوقعت أن ينخفض عدد النساء العاملات بنسبة 22 في المئة.
ويمكن تخيل ماذا أصبح عليه وضع النساء في لبنان عام 2023 مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والاستعصاء السياسي المستمر.
في هذا الإطار، ترى الصحافية والناشطة النسوية مايا عمار في حديث لـ"نقطة" أن "الأزمة التي يعاني منها لبنان جعلت قضايا النساء تذهب نحو الظل وهو ما جاء على لسان وزير الشؤون الإجتماعية هكتور حجار إذ اعتبر هذا الأخير أنه (مش وقتا ينحكى بمشاركة النساء السياسية أو تزويج القاصرات)".
تقول عمار في هذا السياق أنه سابقاً "برغم من استخفاف السلطة في قضايا النساء كان هناك مجال لطرح هذه العناوين على الأجندة السياسية ولكن الآن باتت هذه القضايا في موقع أقل من ثانوي في سلم أولويات الدولة اللبنانية ووجدان الناس أيضاً".
وتشير إلى أن "النساء خسرن الكثير من الأعمال إذ تعرضت كثيرات للطرد وصرن عاجزات عن دخول سوق العمل، فيما اضطرت أخريات للعمل في أكثر من مكان في الوقت عينه لتلبية حاجاتهن وحاجات عائلاتهن، ويُضاف إلى كل ذلك الأعباء المنزلية الملقاة عليهن، بسبب التوزيع النمطي للأدوار إذ أن هؤلاء النساء يتكبدن أضعاف المسؤوليات بسبب الأزمة التي نعيشها في لبنان، ما يجعلهن غير قادرات على الاهتمام بأنفسهن وصحتهن، لأنهن مجبرات على تأمين مستلزمات الحياة الأساسية لهن، لأطفالهم و لأسرهن".
فلسطين… عنف المجتمع والاحتلال
وفق مسح أجراه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2019، تبين أن حوالى 59.3 في المئة من النساء / الفتيات الفلسطينيات المتزوجات أو اللواتي سبق لهن الزواج من الفئة العمرية (15-64 عام) تعرضن للعنف من قبل أزواجهن، مشيراً إلى أن أعلى معدلات العنف 66.9 في المئة ضد النساء المتزوجات أو اللواتي سبق لهن الزواج من قبل أزواجهن كانت بين الفئة العمرية 20 -24.
وفي قطاع غزة، كانت النساء والفتيات أكثر تعرضاً للعنف من قبل أزواجهن بنسبة 70.4 في المئة مقارنة بنسبة 52.3 في المئة في الضفة الغربية.
وأظهر المسح ارتفاع العنف النفسي، بنسبة 57 في المئة من النساء، بينما طاول العنف الاقتصادي 36 في المئة، ووصلت نسبة من طاولهن العنف الاجتماعي إلى 27.6 في المئة، بينما تعرضت 18 في المئة من النساء للعنف الجسدي، وما نسبته 9 في المئة من النساء تعرضن للعنف الجنسي.
وبذلك تعاني الفلسطينيات من عنف المجتمع وعنف الاحتلال، وتلقى على عاتقهنّ أعباء مهولة لناحية الدفاع عن حقوقهنّ من جهة والبقاء على قيد الحياة ومساعدة عائلاتهنّ من جهة أخرى.
حاول هذا التحقيق توثيق بعض ما تمر به نساء منطقتنا بسبب الذكورية المستشرية والنظام الأبوي الذي يزداد وحشية في الحروب والأزمات والكوارث، وتتركز وحشيته على النساء، لأنهن الفئة الأضعف غير القادرة على الدفاع عن حقوقها في غياب القوانين المناسبة والدعم الاجتماعي المطلوب.