NO2TA Logo NO2TA Logo
الأعضاء التناسلية كسلاح حرب - الاغتصاب السياسي ضدّ النساء العربيات

الأعضاء التناسلية كسلاح حرب - الاغتصاب السياسي ضدّ النساء العربيات

اقتحمت إيمان العبيدي في آذار \ مارس 2011 فندق ريكسوس في طرابلس – ليبيا، خلال لقاء صحفي ضمّ صحفيين أجانب، وصرخت متهمة 15 رجلاً من كتائب القذافي باغتصابها، ثم كشفت عن ساقيها لتريهم آثار الكدمات والجروح، مشيرة إلى أنها اعتقلت عند نقطة تفتيش في طرابلس لأنها من أبناء بنغازي، معقل الثوار. تدخلت قوات الأمن وأخرجوها من المكان ومنعوا صحفيّاً أجنبيّاً من مساعدتها واصطُحبت إلى جهة مجهولة وقال متحدث باسم الحكومة في البداية أن إيمان دخلت الفندق وهي في حالة سُكر وقد تكون مختلة عقلياً لتعود الحكومة وتعترف بأنه من المحتمل أن عنصرين اعتدوا على إيمان وهو خطأ فردي لا غير.

 

الأعضاء التناسلية كسلاح حرب

أظهرت لاحقاً عدد من التقارير المتفرقة عن حوادث اغتصاب قامت بها قوات القذافي، روى العاملون في المجال الصحي تفاصيل مروعة، بالإضافة إلى تقارير عن واقيات ذكرية ومنشطات جنسية وجِدت في جيوب الجنود الأسرى.

الاغتصاب في الحروب ليس أمراً جديداً، وحسب الكاتبة النسوية الأميركية سوزان براون ميلر، اكتشف الإنسان أن أعضائه التناسلية يمكن أن تكون بمثابة سلاح لإثارة الخوف، وفي الحقيقة يجب أن يصنف كأحد أهم الاكتشافات في عصور ما قبل التاريخ، إلى جانب استخدام النار، إن الوظيفة الحاسمة للاغتصاب ليست أكثر أو أقل من عملية تخويف واعية يُبقي بها جميع الرجال جميع النساء في حالة من الخوف.

الاغتصاب هو جزء من التاريخ الإنساني، ويكاد يكون ملاصقاً لكلّ حُقبه، ولتغييراته العالمية والإقليمية، انطلاقاً مما وصلنا من كتابات اليونان القديمة إلى رسائل المستكشفين الأوائل، عانت النساء في كل مناطق النزاعات من الاغتصاب السياسي، في يوغوسلافيا السابقة ورواندا ودارفور والكونغو وسوريا ومصر وليبيا والعراق والقائمة تطول! 

يتعرض الرجال كذلك لاغتصاب الحروب، لا أعداد دقيقة، ربما بسبب إحجام الرجال عن تقديم اتهامات الاغتصاب، خوفاً من وصمة العار ولأن المؤسسات الحكومية وغير الحكومية تصب تركيزها في العادة على الضحايا الإناث، إلا أن اغتصاب الرجال أثناء الحروب هو أمر واقع وأحد أكبر جرائم الاغتصاب والتعذيب في العصر الحديث ما حدث في سجن أبو غريب في العراق. الفارق هو أن النساء يتعرضن للاغتصاب بناء على نوعهن الاجتماعي، وبطريقة ممنهجة وأكبر، لكونهن نساء وحسب، ولأن رجال العدو يعتقدون أنه يحق لهم امتلاك نساء الطرف الخاسر.

 

كشوف العذرية والترهيب السياسي

لعبت النساء دوراً أساسياً خلال ثورات الربيع العربي، إلّا أن نتائج هذه المشاركات كانت خطيرة في أحيانٍ كثيرة، سواء بسبب مشاركتهن المباشرة في الحراك، مما عرضهن للقمع الجنسيّ من قبل قوات الأمن، أو كنتائج لدخول تيارات متطرفة كما حدث في سوريا وشمالي العراق.

في آذار \ مارس من عام 2011 وبعد عودة المتظاهرين إلى ميدان التحرير قام الجيش المصري باعتقال حوالى 17 فتاة، واتهمن بالدعارة وأجبرهن على الخضوع إلى "فحص العذرية"، قال أحد الضباط أن هؤلاء الفتيات لا يشبهن أي بنات أخريات ونمن في الخيام مع المتظاهرين الرجال، لاحقاً بررت السلطات المصرية كشوف العذرية بالخوف من اتهام الجيش باغتصابه للمتظاهرات، واستمرت حوادث مماثلة خلال الفترة الانتقالية في مصر، في محاولات صريحة لإجبار النساء على التراجع والتوقف عن التظاهر، لتتحول طرق النساء في الاحتجاج إلى وسيلة لقمعهن وتخويفهن في سياق سياسي. يؤكد ما حدث في ميدان التحرير أن النساء قد يتعرضن للتحرش أو الاغتصاب حتى من قوات الجيش أو المسؤولين المباشرين عن حماية المواطنين، ليتحولوا إلى جزء من قمع ممنهج بحق النساء.

تتعرض المرأة في العالم العربي لتمييز اجتماعي وسياسي واقتصادي والذي ينعكس ويتجسد في النظم القانونية في الدول العربية، إذ تتعامل هذه القوانين مع النساء كمواطنات من الدرجة الثانية. في أغلب القوانين للدول العربية قد تصل عقوبة الاغتصاب إلى السجن المؤبد أو الإعدام إلّا أن المشكلة ليس في الأحكام بل في صعوبة إثبات الأمر وسقوط الجريمة في حال قبول الضحية تزوج المغتصب (قانون مازال يطبق في عدد من الدول)، إذاً ليس من السهل على النساء العربيات التعامل مع الاغتصاب في سياقه الاجتماعي، فكيف لو كانت السلطة السياسية هي من تقوم بالاغتصاب أو عدو مجهول؟

 

أثر الاغتصاب السياسي في المجتمعات العربية

يعتبر الاغتصاب أمراً وحشياً أينما كان، إلا أن تأثيراته في المجتمعات الإسلامية المحافظة تكون مضاعفة وسلبية، فالاغتصاب يقصي الفتيات واللواتي يعتبرن حسب مجتمعاتهن غير صالحات للزواج أي أنهن غير قادرات على امتلاك القيمة الأساسية والجوهرية لهن في مجتمعاتهن.

يمكن القول أن الاغتصاب بشكل عام هو سلاح فتاكٌ في المنطقة العربية، ليشكل أداة قمعٍ للنساء اجتماعياً وجعلهن في مرتبة أقل من الرجال، وتلعب المعتقدات الدينية والثقافية دوراً محورياً في ذلك، ففي ليبيا يمنع القانون الليبي الإجهاض، وتتعرض المرأة للسجن في حال أجهضت طفلها وتخفف العقوبة إلى النصف إذا تقرر أن سبب الإجهاض حفاظاً على شرف العائلة بعد اغتصاب ابنتهم، وهكذا لا خيارات أمام المرأة سوى الإنجاب وتربية طفلها وسط وصمة العار التي تحيط بها وبعائلتها.

من هذا المنطلق ولأن السلطة تدرك تأثير الاغتصاب على المجتمعات وتأثيره طويل الأمد وحين تشعر بتهديد فقدان قوتها يزداد عنفها الجنسي، ليشكل أداة ضغط على العدو، لإضعافه وإهانته، ولأن الاغتصاب يتعلق بشكل مباشر بشرف العائلات ومكانتها الاجتماعية العربية. تقول شارون بلوك، أستاذة التاريخ في جامعة كاليفورنيا في إيرفين أن عمليات الاغتصاب التاريخية التي تهم أو بمعنى أثرت وظهرت على السطح هي تلك التي رأى فيها الرجال أنفسهم متضررين، وهذا ما يؤكد على تشيئ المرأة لتصبح أحد وسائل انتصار رجل على آخر.

في العموم لا تغتصب النساء فقط لأنهن نساء، في البوسنة دين المرأة أو جنسيتها هي سبب مباشر في اغتصابها، وفي بورما يغتصب الجنود الحكوميون نساء الروهينجا المسلمات، وللمفارقة ذات السبب الذي يتسبب في اغتصاب امرأة في مكان ما قد يحميها في مكان آخر، وهذا ما حدث للنساء الأيزيديات في شمال العراق عام 2016، إذا استعبدهم تنظيم الدولة داعش وتعرضن للنخاسة والاغتصاب، لأنهن غير مسلمات ببساطة، ويُقدّر عدد النساء اللواتي اختطفن حوالي 6000 امرأة من الأقليات الأيزيدية والمسيحية والتركمان والشبك.

 

لماذا يحدث الاغتصاب في زمن الحرب؟

بالنسبة لدارا كاي كوهين، الأستاذة المساعدة في كلية همفري للشؤون العامة بجامعة مينيسوتا، فهناك عدة عوامل تزيد من احتمالية حدوث الاغتصاب في مناطق الصراعات السياسية، واحد منها هو طريقة التجنيد، تقول كوهين إن تجنيد الرجال قسراً يدفعهم للاجتماع مع رجال آخرين غرباء، يندمجون في وحدة متماسكة من خلال الاغتصاب، أي أن الرجال الغرباء الذين تم جمعهم في قوة قتالية يبدو الاغتصاب لهم كوسيلة غير معلنة لبناء روح الفريق، كما تحمل الطبيعة العامة والأدائية للاغتصاب الجماعي رسالة مختلفة وهي "نحن جميعاً في هذا" وهو ما يختلف عن الاغتصاب الفردي الذي يحدث بسبب انهيار القانون أو عدم جديته.

على الرغم من انتشار الاغتصاب في الحروب إلا أنه كان جانباً مهمشاً، السبب في ذلك أن الإساءة التي يقوم بها الرجال تؤخذ في مفهومها الضيق بكونها جنسية أو شخصية، وهو ما يؤدي إلى إزاحة الطابع السياسي عن الاعتداءات الجنسية في النزاعات واعتباره مجرد جريمة حرب، لكن لا بدَّ من فهم أعمق للوظيفة السياسية للاغتصاب السياسي. 

تقول الكاتبة النسوية براون ميلر أن الحرب تزود الرجال بخلفية نفسية مثالية للتنفيس عن ازدرائهم للمرأة، انطلاقاً من ذكورة الجيش والقوة اللامحدودة للأسلحة الحصرية بأيديهم، والترابط الروحي للرجال في السلاح، والانضباط الرجولي، الأوامر الصادرة والأوامر التي يتم إطاعتها، وهو المنطق البسيط للهرمية التي تؤكد للرجال ما كانوا يشكون به منذ فترة طويلة أو ما لا يجرؤن على الاعتراف به في مجتمعاتهم وهو: "أن النساء هامشيات في العالم المهم ".

 

ماذا بعد نجاة النساء؟

تمكنت العديد من النساء الأيزيديات من الفرار من قبضة داعش لكنهن لم يحصلن على الدعم الكافي في مجال الصحة العقلية والنفسية حسب هيومن رايتس ووتش.

وعلى الرغم من تقبل المجتمعات الأيزيدية للنساء العائدات واحتضان ما بقي من العائلات لبناتهن إلا أن هؤلاء الفتيات واجهن مشكلة أساسية وهي عدم قبول أطفالهن المولودين من الاغتصاب والاسترقاق من قبل داعش، لتواجه الأيزيدات خياراً صعباً يتمثل في ترك أطفالهن أو عائلاتهن ومجتمعاتهن.

وفي قانونٍ هو الأول من نوعه في المنطقة العربية أقر البرلمان العراقي العام الماضي قانون "الناجيات الأيزيديات" والذي يعترف بالجرائم الفظيعة التي ارتكبها تنظيم داعش بحق نساء الأقلية الأيزيدية وينص القانون على الاهتمام بالناجيات من جرائم العنف الجنسي في النزاعات المسلحة، إلا أن مسألة تسجيل الأطفال الذين لا يعرف من هم آبائهم لاتزال شائكة إذ لم يوضح القانون أي حلول لها.

معاناة النساء لا تتوقف هنا، إذ تعاني الضحايا من تبعيات جسدية كبيرة ومنها الأمراض المنقولة جنسياً بالإضافة إلى السلس البولي نتيجة حالات الاغتصاب العنيفة، والناسور المهبلي وهو حالة طبية ناتجة عادة عن سوء رعاية المرأة عند الولادة، وينطوي على تمزق الجدران بين المهبل والمثانة والشرج أو المستقيم، مما يؤدي إلى ألم شديد وسلس بولي، دون نسيان الآثار النفسية المروعة لتجارب الاغتصاب والاستعباد.

 

 يعتمد الاغتصاب في سياقه الاجتماعي على محاولة فرض السلطة الذكورية، أمّا الاغتصاب السياسي فيعتمد على فكرة هزيمة العدو وإلحاق الأذى به على المدى الطويل مستمداً قيمته الأساسية من فرض السلطة الذكورية كذلك.

مقالاتنا